تزامن تدهورُ الكائن البشري، مع ازدهار النمط الرأسمالي. ومع محيطه المديني، كما مع النجاح الكبير للسياحة والترفيه الثقافي، والذي كان السبب الهامشي لوجود مآسٍ ومنغصات، فوق ظهر الكوكب.
وبعد عقود من العمل والتعقيدات، لم تتم، حتى اللحظة، إزالة الغبار عن المسكين، ليس فقط بسبب الإهمال الذي تسبّب فيه الوباء، ولا بسبب الاضطرابات الحَضَريّة التي تحيط به، والتي كانت في أحشائه كامنة، لفترة طويلة.
وإنّما لسببٍ أكبر: عبادة الربح. دين البشرية الجديد هذا، وقد تفاقم منذ عقود، على نحو مجحف.
فإذا أردنا متحفًا لكائن لا يُشبه كائننا، في المستقبل، ويعطي استخداماتٍ جديدةً وجماهيرَ جديدةً للفنّ والثقافة، في أوائل الألف الثالث، فعلينا أن نَقبل الحياة التي تأتي من الشارع.
لطالما أحببت العيش في فضاء الشارع، لا في حيّزات ضيّقة كئيبة، مع تحيُّزات. هناك أتنفّس بحُرّية، أنا الكائن المعاني من رهاب الأمكنة الضيقة.
كيف يمكن لشاعر أن يجتمع مع حاكم خسيس؟
الكائن غير المرحِّب، صار، بالمونولوغات الطويلة، على سُلّمٍ في العتمة، حتى في السنوات الأخيرة المؤلمة. ولأسباب عديدة، أشعر بالرضا حيال ذلك.
فلا يمكن، من خلال السلالم المتحرّكة التي تأخذك إلى أسطح مريبة، أن تَشعر بإنسانيتك، وقد برَتْها التأملات. كلّ الخارج، هو منصّة للنظَر. والصعود للواجهة، دون أي التزام بالرّواح، مؤسِف.
أنت المؤقّت في المشاهد الرائعة، الثمينة، لا يجب أن تنسى: هو هذا أيضاً: القبر، مكانٌ يجب أن تكون فيه، دون أن يُطلب منك القيام بأيّ شيء، فقط من خلال دعوتك لحضوره والحلول فيه، على غفلة، أو نوبة قلب أو انتكاس دماغ.
ثم إنّ العالم الشاسع، الآن، أيها الصديق العظيم، مصنوع من المرَق المزيف وحساء الدجاج الأربعيني. هل يؤكَل الأسبستوس ويُنقَع في أنسجة العنكبوت داخل الأنابيب الصدئة؟
اللهم لا تُدخل عبدك غير الّنهِم، في تلك تجارب!
لقد أدّت الانهيارات المستمرّة في معنويات الشاعر العربي، إلى تدهوره، على الآخِر. وفي موازاة ذلك، يبتسم رؤساؤه المضادّون للثورات والعيش الحسن، باضطراد.
وبما أنّه من الصعب أن يكون تدهور المنزل، قد جرى من تلقاء الصدفة، في نفس الوقت الذي فيه تُبنى منازل وتصمد، لذا فلا بد من إمعان بصر وتفحُّص: الرائي هو في عالمه وموضوعه، ونحن على الضفّة الأخرى، في عالمنا الذي هو محض منازل مهلهلة.
كيف يمكن لشاعر أن يجتمع مع حاكم خسيس؟ لا غروَ أنّ العمل والتعقيدات السياسية، قد أوشكت على تدمير كلّ شيء.
هل يمكن لأيّ شخص أن يتخيّل كيف سيكون العالم حينها؟
فقط في حال أعلنت الجهات المختصّة عن ذلك، في سنة الوباء الثانية، يكون ثمّة أفق: أفقٌ لشخص لا يريد الشيء، دون أن يقول نظرة سريعة عن المحتوى والبرنامج المستقبلي.
شعراء العرب؟ لم يسألهم أحد عن شيء ما، فهذا ليس وقت التنبّؤات أو العظمة. حِقبةٌ تقترب بشعوب بكاملها من غسق النهايات.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا