خلال حرب فيتنام (1955 - 1975)، قضا المُخرجان الإيطاليّان تشيتشيليا مانغيني وزوجها لينو دل فرا قرابة أربعة أشهر، منتصف الستينيات، في هانوي، شمالي البلاد، وهُما يُحاولان تصوير فيلم يوثّق للمقاومة الفيتنامية ضدّ الاحتلال الأميركي وتجنُّد السكّان لها، إضافةً إلى الحياة اليومية للفيتناميّين في الحرب.
لم تسِر الأمور كما خطّط لها الزوجان؛ فقد تعرَّض فيلمهما للتلف بسبب المعارك الجارية. ولم يبقَ لهما من تجربتهما سوى بعض الصور الفوتوغرافية والكتابات التوثيقية التي تؤرّخ لتلك الفترة. وهذه الصور والنصوص ستشكّل مادةً لفيلم وثائقي يوثّق تلك التجربة بعنوان "علبتان منسيّتان: رحلةٌ إلى فيتنام" (2020).
الفيلم، الذي عُرض مساء أمس الخميس ضمن المسابقة الرسمية لـ"مهرجان الجزائر الدولي للسينما" (يُختَتم غداً)، يستمدُّ عنوانه من علبتَين لا تزال مانغيني تحتفظ بهما في مكتبة بيتها بروما بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على رحلتها مع زوجها إلى فيتنام.
تضم العلبتان صُوَراَ بالأبيض والأسود التقطتها بنفسها، وكتابات توثيقية لزوجها. تُوظّف مانغيني ذلك الأرشيف - إضافةً إلى فيديوهات تسجيلية عن حرب فيتنام - في فيلمٍ وثائقي مدّتُه تسعة وخمسون دقيقة، أنجزته برفقة باولو بيسانيللي (1965)، الذي حضر العرض، وهو مصوّر ومُخرجٌ يعمل في مجال الأفلام الوثائقية منذ 1997.
يقترب الشريط من يوميات الحرب في فيتنام: المعارك والقصف اليومي الذي يخلّف قتلى وجرحى، الأحياء والشوارع وحياة الفلّاحين في القرى، وحياة الأطفال خلال الحرب، والمرأة الفيتنامية ودورها الكبير في المقاومة. وفي خضمّ ذلك، يُضيء أيضاً على الثقافة والهوية الفيتنامية: الموسيقى والأهازيج والرياضات الشعبية والملابس التقليدية وبيوت القصب.
التزمت تشيتشيليا مانغيني (1927 - 2021) بالدفاع عن حقوق الشعوب، وقد أطلقت في الستّينيات حملةً دولية ضدّ الاحتلال الأميركي لفيتنام. وفي "علبتان منسيّتان"، يبدو الانحياز واضحاً للمقاومة الفيتنامية؛ إذ يُندّد الشريط بتلك الحرب التي دمّرت فيتنام وأودت بحياة مئات الآلاف من المدنيّين الفيتناميّين، كما يسْخر من فترة الاحتلال الفرنسي التي سبقت الغزو الأميركي.
في نهاية الفيلم، نقرأ العبارة الآتية: "تشيتشيليا وزوجها لم يتمكّنا من إنجاز فيلمهما الوثائقي. ولكنّ فيتنام تمكّنت من الصمود والانتصار في الأخير".