بعد إنهائه دراسته الأكاديمية، في "كلّية الفنون الجميلة" في القاهرة (1981) أوّلاً ومن ثمّ في "أكاديمية الفنون الجميلة" في روما (1985)، قضى الفنّان المصري عصام معروف سنواتٍ في التجريب ضمن عوالَم تجريدية. حيث تشكّلت لوحته، حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، من فضاءٍ من البقع والدوائر والأشكال الهندسية التي يكرّرها على سطح اللوحة بأحجام متفاوتة. كما بدا اللون، في أعمال تلك الفترة، فضاءً للبحث والتجريب هو الآخر، رغم ركونه أكثر قُرباً إلى الثبات من البقع التي تعتليه.
بدءاً من منتصف التسعينيات راحت الأشكال الآدميّة تستحوذ على مساحة اللوحة في اشتغالات الفنّان المصري (1958)، الذي صارت البورتريهات، والوجوه النسائية بشكل شبه حصريّ، مركزَ لوحته وثيمتها شبه الدائمة حتى اليوم، وهو ما يأتي ليُبرزه معرضه الجديد، "مرئيّ ـ لا مرئيّ"، الذي افتُتح يوم الأحد الماضي في "غاليري مصر" بالقاهرة، ويستمرّ حتى العاشر من آذار/ مارس المقبل.
يشكّل البورتريه النسائي الثيمة التي تدور حولها أغلب اللوحات
بورتريهات البداية البسيطة، المتقشّفة في ملامحها وشبه الأُحادية في تكوينها وفي فضائها اللوني، تحوّلت في أعمال معروف الجديدة إلى تركيبات أكثر تعقيداً، بحيث باتت اللوحة مساحةً لطبقتين مزدوجتين، يحضر في أولاهما البورتريه النسائي، بشكل عام، بتفاصيله المتقشّفة في الغالب، تليه وتغطيّه طبقة من التنويعات البصرية المتكرّرة، التي تذكّر بتلك التي استخدمها معروف في بداياته التجريدية، والتي تبدو أشبه برسمٍ على الرسم، أو رسماً على مرحلتَيْن.
تذهب بعض لوحات المعرض أبعد من هذه البُنية المزدوجة، حيث نجد أنفسنا أمام تشكيلاتٍ تبدو وكأنّها قد فُكّر بها ورُسمت، منذ البداية، كمقترحٍ بصريّ واحد، أي كطبقة واحدة لا تتراكب فيها الأشكال عمودياً، بل تتجاور وتتكامل أفقيّاً، متفرّعةً من بعضها البعض، من دون أن تكون مهمّة هذا الشكل تفسير الآخر أو التغطية عليه وإخفاؤه. هذا ما نقف عليه، على سبيل المثال، في لوحتين تأخذان لونياً من الأزرق والأصفر والأبيض، تتجاور فيهما أشجار أو ما يشبه الأشجار، وغيوم، إلى جانب هيئات ووجوه ورؤوس، وأشكال أقلّ واقعيةً، ضمن لغةٍ تبدو حذرةً من عناصر الواقعية التي لا تني تعبث بها، إمّا شكلاً أو لوناً.
وإن كان عنوان المعرض معبّراً بشكل مباشر عن تلك اللوحات ذات الطبقات المزدوجة، بحيث يشكّل تراكب الطبقتين فوق بعضهما تنويعاً على هو مرئيّ وما ليس كذلك، فإن هذه الازدواجية، ازدواجية المرئيّ واللامرئيّ، تأخذ معانيَ مختلفةً في الأعمال الأكثر تجريديةً في المعرض، بحيث يتحوّل اللامرئي، أو ما يبدو غير ذي معنىً للوهلة الأولى، إلى المقولة التي يقرأها الفنان على الوجوه التي يرسمها؛ مقولةٌ تعبيرية تبدو أكثر أهمّية بالنسبة إليه من واقعيةِ أن يرسم تفاصيل تلك الوجوه، غير الحاضرة أبداً في بعض الأعمال.