في ذكرى رحيله الثالثة عشر، يجدر أن ننتبه إلى أن المفكّر المصري عبد الوهاب المسيري (1938 - 2008) لا يزال أكثر مَن اعتنى بدراسة التداعيات الحضارية المتعلّقة باقتحام الصهيونية للمنطقة العربية، حيث قدّم إضاءةً معرفية واسعة للمشروع الصهيوني من جذوره الدينية البعيدة إلى تفكيك رهانات الحاضر، وقد تجسّد ذلك بالخصوص في "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" التي تألّفت من ثمانية مجلدات.
حاول المسيري، في الموسوعة وفي غيرها من الأعمال، أن يدرس ــ بأدوات العِلم ــ الصهيونيةَ كظاهرة تاريخية، ولم يكن ذلك ممكناً دون استدعاء التاريخ اليهودي في مجمله إلى طاولة البحث، فعاد إلى مدوّنة ضخمة تراثية موغلة في القدم، وغربية حديثة، تدرس "المسألة اليهودية" وتحاول تفسير أفعال المنتمين إليها.
وفي حين أن المسيري كان يؤكّد على حرصه على حيادية مشروعه (علمياً) في دراسة اليهود والصهوينة، إلّا أنه قوبل بموجات من النقد لأسباب متعدّدة، منها عدم وقوع مشروعه في هوى النظام السياسي الذي عقدَ "سلاماً" مع دولة الاحتلال، كما وُجّهت له انتقادات تتعلّق بعدم تطابق مخرجات أبحاثه مع ما ورد في الكتب الدينية حول تاريخ اليهودية.
إلى جانب "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، للمفكّر المصري أعمالٌ أخرى ضمن نفس المشروع، مثل: "أسرار العقل الصهيوني"، وقدّم فيه محاولة في فهم الجذور العميقة للسلوك العدواني للمنتمين إلى الصهيونية، وله أيضاً "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية"، والصهيونية والنازية ونهاية التاريخ".
يمكن أن نقرأ مشروع المسيري اليوم فنضعه في مواجهة مستجدّات القضية الفلسطينية، فموجة التطبيع في 2020 يمكن أن نجد لها إشارات في مدوّنة المسيري وآرائه، ومنها تنبيهه من أن الصهيونية يمكن أن تتخفّف من شعاراتها المباشرة (النجمة، الإعلان للانتماء إلى "إسرائيل"...) وتُحقّق حضوراً في حياة الشعوب العربية، ولعلّنا نجد شيئاً من ذلك حين نرى أن موجة التطبيع الجديدة لا تكتفي بالتمثيل الديبلوماسي، بل تصل إلى الجهر بمشاريع اقتصادية مشتركة وفتحٍ للمجال الجوي وترويج ثقافي للتعايش مع دولة الاحتلال.