عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثًا ضمن سلسلة أطروحات الماجستير، كتاب "اختلال التركيبة السكانية في دولة قطر: التداعيات والحلول"، للباحث القطري المهتم بقضايا السكان والتركيبة السكانية والتنمية المستدامة عبد الهادي صالح الشاوي المرّي.
من خلال مقاربة تقوم على جمع البيانات الإحصائية المتعلّقة بالواقع السكاني القطري وتحليلها، وعلى دراسة ميدانية تتلمّس تقييمات عدد من الخبراء والمستشارين والأكاديميين وغيرهم من المهتمّين بقضايا السكان، يدرس الكتاب ويُحلّل وضع التركيبة السكانية في قطر، مبيّنًا أسباب اختلالها وتداعياته، ومقاربًا الحلول الممكنة لمعادلة اختلال التركيبة السكانية البالغة التعقيد، ومعالم سياسات الحد منها، ومستشرفًا ملامح الاستراتيجية الوطنية الأساسية لمعالجتها، كما يبحث في تأثير الزيادة السكانية التي رافقت الطفرة الاقتصادية والتنموية الشاملة التي شهدتها قطر في تركيبتها السكانية، وتداعياتها، وسبل الحد منها.
تحت عنوان "السياقات الاقتصادية والاستراتيجية للتحولات السكانية في دولة قطر"، يقف الفصل الأول للكتاب عند الطفرة الاقتصادية المعاصرة التي شهدتها قطر بعد اكتشافات النفط والغاز، وكيفية مساهمة هذه الطفرة في إحداث الارتفاع المطَّرد الذي شهده مستوى معيشة سكان قطر. ويتطرّق الفصل، أيضًا، إلى الابتكارات الكبرى اللاحقة في مجال تسييل الغاز، وما ترتب عليها من تغيير اقتصادي بنيوي شامل، أدى بدوره إلى إحداث تغيرات ديموغرافية واجتماعية وثقافية كبيرة، ويبيّن سياقات الانفجار السكاني الخارج عن السيطرة، متناولًا أسبابه، وآثاره، وتحدياته.
ويتناول القسم الثاني من هذا الفصل، وهو بعنوان "التنويع الاقتصادي لدولة قطر"، المنهجية التي اتبعتها قطر للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المتنوع؛ حيث يستعرض الإمكانيات البشرية الكبيرة والأصول غير الملموسة التي استثمرتها قطر لتحقيق التنوع الاقتصادي والخروج من الاعتماد المفرط على قطاع الطاقة، ملخّصًا الأهداف المتعلقة بالتنويع الاقتصادي في قطر؛ كالتعليم والابتكار، وتنظيم أعمال الأحداث والفعاليات الدولية، والاستثمار في اقتصاد الرياضة، وفي قطاعَي الإعلام والخدمات، والمجالات الثقافية، وإنشاء صندوق الثروة السيادية، وجذب المستثمرين الأجانب.
ويطرح القسم الثالث من هذا الفصل "الركائز الأربع" لـ"رؤية قطر الوطنية 2030"، والتي تشمل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية، والبيئية، مبرزاً دور التطورات التي شهدتها البلاد في إحداث تغير بنيوي عميق في الاقتصاد القطري الذي انتقل سريعًا من اقتصادٍ تقليدي إلى اقتصادٍ عصري.
وتحت عنوان: "اختلال التركيبة السكانية في دولة قطر وآثاره"، يعرض الفصل الثاني حقائق تطوّر عدد السكان في قطر، ومعدل النمو السكاني السنوي، وعناصر الزيادة السكانية الطبيعية (الولادات والوفيات)، وغير الطبيعية (الهجرة/ العمالة الوافدة)، ويتتبع الزيادة السريعة للسكان الوافدين، وتراجع نسبة السكان الأصليين من مجموع السكان في الفترة (1970 - 2019)، مستعرضًا أهم العوامل التي أدت إلى ذلك، مثل انخفاض معدلَي المواليد الخام والخصوبة الكلية، والانخفاض المستمر في معدل الوفيات الخام؛ كمؤشرٍ مهمّ للتعرف إلى مستوى المعيشة والرفاه في المجتمع، وارتفاع نسبة العمالة الوافدة والعالية المهارة. وأخيرًا، يستعرض الفصل آثار الزيادة السكانية والإشكالات التي تطرحها في راهن البلد، متناولًا الحلول الناجعة لمعالجة إشكالات اختلال التركيبة السكانية في قطر على نحوٍ أفضل.
ويتناول الفصل الثالث، "مستقبلات تغير التركيبة السكانية لدولة قطر وفق توقعات الأمم المتحدة"، الإسقاطات الديموغرافية لسكان قطر في الفترة 2020 - 2100، والتقديرات التفصيلية الإجمالية للسكان، ومتوسط المعدل السنوي للتغير السكاني والسكان بحسب الفئات العمرية، والهرم السكاني ومعدلات المواليد والوفيات ومتوسط الولادات والوفيات وإجمالي الخصوبة والوفيات تحت سن الخامسة ومتوسط العمر المتوقع الإجمالي بحسب الجنس، مستندًا في ذلك إلى توقعات الأمم المتحدة باعتبار هذه التوقعات وسيلةً حيوية لقياس التغير السكاني بالنسبة إلى المجموعات الكبرى على الصعيد العالمي والصعيد القاري، والصعيد الإقليمي، على اعتبار أن شاغل الأمم المتحدة الرئيس هو تتبع الاتجاهات السكانية في مناطق العالم.
أمّا الفصل الرابع، "الآثار الناجمة عن الزيادة السكانية والاستجابات المؤسسية للحد منها"، فيتناول التأثيرات الإيجابية والسلبية للزيادة السكانية، ويبرز تطورها خلال العقود الماضية، وراهنها، واتجاهاتها المستقبلية، ويستعرض أيضاً أهم الاستجابات المؤسسية لها وتحدياتها وأوجه تطوير أدائها في المستقبل، كما يضيء على السياسات المتعددة التي وضعتها السلطات القطرية لمواجهة الآثار السلبية لاختلال التركيبة السكانية في الدولة؛ مثل زيادة عدد العمالة الوطنية القطرية (باتباع سياسة "تقطير" الوظائف)، وتقليص فجوة الأجور بين القطاعين الخاص والحكومي للمواطنين، وفرض حصص معيّنة للمواطنين في القطاع الخاص، ورفع كلفة استقدام العمالة الوافدة، ودعم توظيف المواطنين في القطاع الخاص.
وتحت عنوان: "إشكالات اختلال التركيبة السكانية في دولة قطر"، يشرح الفصل الخامس الدراسة الميدانية التي أجراها الباحث بهدف التعرف إلى واقع اختلال التركيبة السكانية في قطر وتحليله، ودراسة آثاره وآفاقه المستقبلية، بالاعتماد على دراسة استطلاعية "استكشافية"، من أجل التعرف إلى المتغيرات والعوامل المؤدية إلى اختلال التركيبة السكانية في قطر؛ وذلك من خلال إجراء عدد من المقابلات الشخصية المعمقة مع عدد من الخبراء والمستشارين والأكاديميين، وغيرهم من المهتمين بقضايا السكان.
ويستعرض الكتاب في فصله السادس، ما توصلت إليه الدراسة استنادً إلى إفادات المستجيبين المتعلقة بتمثيل القطريين لأقلية من إجمالي عدد السكان، والخلل الموجود في عدد الذكور مقارنةً بعدد الإناث. وتقدم الدراسة خلاصاتها في خمسة محاور رئيسة بشأن اختلال التركيبة السكانية في قطر، وهي: العمالة الوافدة بين حتمية التنمية واحتياجات ضبط اختلال التركيبة السكانية، وجدلية الحفاظ على الهوية الوطنية واستيعاب تعددية الثقافات، والاستعانة بالعمالة الماهرة والحد من العمالة الفائضة ضمن مقتضيات التحول إلى اقتصاد المعرفة، والمنظومة الثقافية لتنميط نظرة المجتمع إلى العمل المهني والقطاع الخاص، وأدوار الأطر الاستراتيجية والسياساتية الوطنية في معالجة خلل التركيبة السكانية.
وبعنوان "معالم سياسات الحد من اختلال التركيبة السكانية واستراتيجياتها"، يتناول الفصل السادس المواقف المتعددة بشأن اختلال التركيبة السكانية، وسُبل مواجهتها، وملامح الاستراتيجية الوطنية الأساسية لمعالجتها، مؤكدًا دورها في الحد من اختلال التركيبة السكانية في الدولة، خصوصًا إذا ما ترافقت مع حزمة أخرى من الحلول الهادفة إلى مواجهة التداعيات والآثار المترتبة على هذا الاختلال؛ مثل رفع القدرة الاستيعابية للقطاعات الخاصة والعامة، وتحسين جودتها، وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية، وتعزيز الأمن الاجتماعي، والحفاظ على هوية المجتمع.