تتعدّدُ استعادةُ الأمير عبد القادر الجزائري (1808 - 1883) في فرنسا بأشكالٍ ثقافية مختلفة. وكانت مِن بين آخر تلك الاستعادات إقامةُ لوحةٍ تتضمّن نحتاً لصورته في بلدة أمبواز وسْط فرنسا، على مقربة مِن "قلعة أمبواز" الملكية التي سُجن فيها مع عددٍ من أقاربه ومرافقيه بين سنتَي 1848 و1852.
ووسْط رفضٍ من عائلةِ الأمير للفكرة، أُنشئت اللوحةُ المنحوتة بتوصيةٍ من المؤرّخ الفرنسي، بنجامين ستورا، الذي كان قد أعدّ، مطلعَ العام الماضي، بتكليف مِن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقريراً عن ملفّ الذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا. وقد تعرّض العملُ، قُبَيل تدشينه بدايةَ شباط/ فبراير الماضي، لتخريبٍ ألحق أضراراً بجزئه السفلي.
في "متحف حضارات أوروبا والبحر الأبيض المتوسّط" بمدينة مارسيليا، جنوب شرق البلاد، افتُتح في السادس من الشهر الجاري معرضٌ توثيقي عن سيرة الأمير بعنوان "عبد القادر"، يُنتَظر أن يَستمرَّ حتّى الثاني والعشرين من آب/ أغسطس المقبل.
يُضيء المعرض على مرحلة سجن الأمير في فرنسا بين سنتَي 1848 و1852
وتعودُ فكرةُ إقامة المعرض، بحسب منظّميه، إلى عام 2019، حين التقى رئيسُ المتحف، جان فرنسوا شونييه، مع الأب كريستيان ديلورم، وهو كاهن سابق في حي مانغيت بمدينة ليون، دأب، منذ 2007، على جمع متعلّقات للأمير من صُوَر وكتب ورسائل ووثائق وأغراض شخصية، قبل أن يمنحها للمتحف.
وقالت فلورانس هودوفيتش، إحدى القيّمات عليه، إنَّ المعرض يُحاوِل إبراز "غنى شخصية الأمير وتشابُكها، عبْر العودة إلى معظم جوانب حياته، بدايةً بمرحلة المقاومة التي أثبت نفسه فيها كرجُل تخطيط عسكري، مروراً بدوره كرائد في حقوق الأسرى، وصولاً إلى مرحلة اعتقاله في فرنسا، وعلاقته بالروحانية والحداثة وقدرته على الحوار".
يجمع المعرض قرابةَ 250 قطعةً، بين صُوَر ووثائق ومتعلّقات شخصية، تنتمي إلى مراحلَ مختلفة مِن حياة الأمير، جزءٌ كبير منها يُعرَض لأوّل مرّة. وقد استُعيرت تلك المعروضات من مجموعات خاصّة وعامّة، كما أسهم متحفا "اللوفر" و"أورسيه" بعددٍ من اللوحات.
قُسّمت المعروضات بين خمسة أقسام تُمثّل مراحل حياة الأمير عبد القادر، واشتملت على عددٍ كبير من صُوَره؛ من بينها صورةٌ التقطها له المصوّر الفرنسي غوستاف لو غراي في أمبواز عام 1851. ومِن بين المتعلّقاتِ الشخصية التي تضمّنها المعرضُ قفطانٌ أبيض للأمير، إضافةً إلى كتابه "المواقف في التصوف والوعظ والإرشاد"، الذي يُعرض للمرّة الأُولى، وهو عملٌ أوّلَ فيه النصَّ القرآني تأويلاً صوفياً وضمّنه جانباً من تجاربه.
ويُعرَض أيضاً نصّ "معاهدة تافنة" التي وقّعها الأميرُ عبد القادر وقائدُ القوات الفرنسية الجنرال توماس روبير بيجو في الثلاثين من أيّار/ مايو 1837، ونصّت على أن يعترف الأمير بـ"سيادة" فرنسا على أفريقيا، مقابل اعترافها بسيادة دولته على ثُلثَي مساحة الجزائر. كما يُعرض نصّ تعهّده الرسمي في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1852 لـ لويس بونابرت بعدم ممارسته أيّة سلطة سياسية أو عسكرية وعدم عودته إلى الجزائر، مقابل إطلاق سراحه بعد خمس سنوات من الأسر.