عباس صلادي.. كائنات أسطورية على درب آلامها

07 مارس 2021
(من المعرض)
+ الخط -

ذهَب عباس صلادي (1950-1992) إلى الرسم هرَباً من جملة عوامل كانت ضاغطة في حياته القصيرة، من فقرٍ وحرمان، وأورام في الدماغ، تسبّبت في أزمات نفسية حادّة وفي عدم تمكّنه من إكمال دراسته للفلسفة، فأتت لوحته مزيجاً من عوالم عجائبية تستند إلى طبقات من المعرفة والتخييل.

تُستعاد تجربة الفنان التشكيلي المغربي في معرض افتُتح منتصف شباط/فبراير الماضي، في "متحف بنك المغرب المركزي" في الرباط، ويتواصل حتى الثلاثين من حزيران/يونيو المقبل، ضامّاً ستين لوحة تمثّل ثلاث مراحل مرّ بها صلادي في مشوار إبداعي لم يتجاوز خمسة عشر عاماً. عاد صلادي إلى مسقط رأسه في مراكش بعد تجربة فاشلة في العاصمة المغربية، إن كان على مستوى الدراسة أو الانخراط في نُخَبها الثقافية. وكانت عودته رمزيّةً وماديّةً معاً، إذ رسم ما اختزنه من مشاهد طقسيّة ترتبط بالطُرق الصوفية، وبقاموس من المعتقدات والخرافات، وكذلك رموزاً وإشارات تشكّل المدينة الحمراء وتاريخها.

تشبّع الراحل بالتراث الإسلامي الشعبيّ من روايات وأقاصيص حوّلها إلى لغة بصرية، في محاولةٍ لتقديمها بأسلوب يمزج بين السريالية والتجريد، يميّزه فنّه الفطري، وهو الذي لم يتلقَّ تكويناً أكاديمياً في الرسم. هكذا، تتداخل حكايات ألف ليلة وليلة مع شخصيات إنسية وجنيّة وكائنات أسطورية تسير على درب آلامها في بحثها عن الخلود بعد نهاية عبورها المؤقّت في الدنيا الفانية. نساء يحلّقن بأجنحتهن في اللوحة، ورجال يغذّون الخطى بحثاً عن الحكمة، وثعابين وطيور وأشجار ومسوخ كلّها استقاها الفنّان من منمنمات فارسية وأيقونات فرعونية وفنون مغربية تقليدية، لكنّها لا تشبهها في شكلها النهائي، فهي تنسج حكايات هجينة مستلّة من دواخل الفنان.

يكشف المعرض عن كتابات وأرشيف شخصي لم تُنشر مواده من قبل

يشتمل المعرض على أرشيف لم يُنشَر من قبل، وفيه تسجيلات صوتية، وكاتالوغات، ومنشورات جماعية حوله، إلى جانب مؤلّفاته التي كتبها من روايات وحكايات وقصائد، وملصقات للمعارض التي شارك فيها، وصورٌ قديمة ونادرة له، ومتعلّقات شخصية تركها الفنان الذي مات معدماً بينما تُباع لوحاته اليوم بمئات آلاف الدولارات.

يقسّم المنظّمون تجربته إلى ثلاث مراحل؛ تغطّي الأولى أواخر السبعينيات، وتكشف عن لحظة شاعرية في نقله شخصيات وأمكنة من الواقع وتتطابق معه إلى حد ما، لكنّ أشكالها وطريقة تلوينها تحمل رمزيّةً خاصّة. بينما يتحدّد أسلوبه على نحو أوضح في المرحلة الثانية، تحليق الرالي (1980 - 1985)، وفيها يظهر تجريده للزخارف المعمارية والنباتية، وتقديمه لوحاتٍ تحتشد برؤى ومفردات خارقة للطبيعة، فتظهر الأميرة الشجرة والرجل الطاووس وأشجار ذات جذور عميقة مغروسة في الأرض وأسوار ونوافذ وممرّات تأخذ مُشاهِدها إلى حدود الفانتازيا واللامعقول.

أمّا المرحلة الثالثة، التكريس (1986 - 1992)، فتوضّح تطور اللون في أعماله لِما يتكيّف مع تشكيلاته وحِرفيّة استخدامه للتقنيّات والبراعة في نقل تلك العوالم الحُلمية، بحيث تخاطب اللاوعي الجمعي بما يكتنزه من أفكار وتصوّرات حول الدنيا والآخرة ويوم الحساب، وآدم وحواء ونزولهما من الجنة.

المساهمون