يشتمل كتاب "أنثولوجيا الترجمة العربية" الذي صدر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" لطارق شما ومريم سلامة كار على النصوص التي تتناول الترجمة بالتحليل والمناقشة في مصادرها كافة في التاريخ العربي.
ويمثّل الكتاب عيّنة شاملة من فكر الترجمة في اللغة العربية، من أقدم عهودها إلى أوائل القرن العشرين، يتبدى من خلالها تأثير هذا الفكر في مختلف النواحي الفكرية والثقافية والسياسية للمجتمعات العربية في هذه الفترة، حيث تناقش المقدمة العامة للكتاب المنطلقات النظرية للبحث ونتائجه وأهم اتجاهات الفكر الترجمي في الفترة التي تشملها الدراسة، إضافة إلى تعليقات مفصلة من المؤلفَين على كل النصوص المختارة تضعها في سياقها التاريخي والفكري وتربطها بنظريات الترجمة المعاصرة.
ويتضمّن الكتاب أيضًا مسحًا إحصائيًا شاملًا للمادة المجمعة التي اختيرت منها نصوص الأنثولوجيا؛ وهو متن يتجاوز 500 نص من مختلف الأحجام، تتناول الفكر الترجمي في مختلف المصادر في التاريخ العربي. ويمثل العمل مرجعًا مفيدًا للباحثين في دراسات الترجمة والتاريخ العربي الإسلامي واللغة العربية وآدابها، فضلًا عن مجالات أخرى تشمل الفقه الإسلامي واللاهوت المسيحي وتاريخ العلوم.
يهدف المؤلّفان إلى رصد خطاب الترجمة في التاريخ العربي
يهدف المؤلّفان إلى رصد خطاب الترجمة في التاريخ العربي، بأكبر قدر ممكن من الشمولية، إذ يستند الكتاب إلى مشروع بحث امتد سنوات عدة، وعمل على رصد النصوص التاريخية العربية التي تتضمن النظر في الترجمة أو التأمل فيها أو التعليق عليها بأي شكل، سواء تعلق ذلك بالترجمة عمومًا منهجًا وممارسةً أم بنصوص بعينها، وفي أي سياق جرى فيه هذا النقاش، بغض النظر عن المجال العلمي أو الفكري الذي يتناوله، أو انتماء الكاتب الإثني أو العرقي، أو حتى موقعه الجغرافي، ثم جمع هذه النصوص، بأحجامها المختلفة، في متن نصي Corpus واحد.
وامتد مجال الدراسة من أقدم العصور المعروفة إلى نهاية الحرب العالمية الأولى (1918)، والتي اعتبرها الباحثان نهاية المرحلة التاريخية وبداية العصر الحديث في العالم العربي. ويستند هذا القرار إلى ضرورة وضع حدود زمنية للفترة التي يغطيها الكتاب، وهي حدود مصطنعة من دون شك حين تقيَّد بتواريخ محددة، لكن هذا أمر لا مفر منه في دراسة من هذا النوع.
أما عن اختيار هذه التواريخ في حد ذاتها، فهو لا يستند إلى إجماع في الدراسات التاريخية العربية على بداية ما يمكن أن نسميه العصر الحديث، لغياب هذا الإجماع في الأساس، بحسب الكتاب، الذي لا يعدّه بالضرورة عيبًا في هذه الدراسات، فالحداثة مفهوم لا يسهل تعريفه في أيّ علم من العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو مثار خلافات لا يمكن التوفيق بينها، تنبع من التنوعَين الأيديولوجي والمنهجي المحتومَين لدى الباحثين المختلفين. وبناء على هذا، بدا للمؤلفَين أن نهاية الدولة العثمانية وآثارها العميقة في العالم العربي، مع ما رافقها من نهاية الحرب العالمية الأولى وما خلفته من تغيرات سياسية واجتماعية عالميًا، فضلًا عن قربها من بداية القرن العشرين ونهاية عصر النهضة، مثلت كلها عوامل مجتمعة يمكن أن تمثّل علامةً تؤذن ببدء العصر الحديث في العالم العربي؛ وهي رؤية قد لا يتفق معها كل الباحثين ممن قد تكون لهم أولويات متباينة. لكن تحديد تواريخ معيّنة أمر لا مفر منه، ولا بد لأي خيار من الخيارات المتاحة من أن تكون له محدودياته.
قسّم المؤلفان النصوص المختارة إلى مرحلتين، المرحلة التراثية ومرحلة عصر النهضة، رُتبت فيهما النصوص في فصول وفق تسلسلها التاريخي. وبالطبع، تعذر في كثير من الأحيان تحديد سنة كتابة النص، ويتعلق هذا بالنصوص التراثية تحديدًا، وعندها اعتمد المؤلفان على سنة وفاة المؤلف. وفي الفصول التي جمعا فيها نصوصًا عدة، اعتمدا على تاريخ النص الأول، أو تاريخ وفاة مؤلفه.
يتكوّن كل فصل من مقدمة تشمل سيرة موجزة للمؤلف، أو المؤلفين، ومقدمة عامة عن النص، يليها النص نفسه، ثم تعليق أحد الباحثَين على النص. يرد العنوان الأصلي للنص المقتبس في الصفحة الأولى من الفصل (مع سيرة المؤلف ومقدمة النص)، إلا أن الباحثَين ارتأيا إضافةَ عنوان إلى النصوص المقتبسة يوجز قدر الإمكان الموضوعات التي يتناولها واتجاه التعليق، وترد العناوين المضافة بين قوسين.
وفي بعض الحالات، جمعت النصوص ذات الموضوعات المتقاربة من الفترة التاريخية ذاتها، فضلًا عن نصوص للكاتب نفسه، للاستفادة من ميزات المنهج الموضوعي. وجاء ذلك بحكم الضرورة في بعض الحالات، كما في الطبعتين الأولى والثانية من الترجمة اليسوعية للكتاب المقدس. وفي هذه الحالة، وضع المؤلفان عنوانًا عامًا للمجموعة، يليه تصدير لكل نص بعنوانه الأصلي المستقل.