في مراجعته لرواية سوزان أبو الهوى "ضد عالم بلا حب" ينصح ستيفن سلايطة القارئ المتحفظ بشأن الحق في إنهاء الاستعمار من خلال العنف أن يقرأ كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون، قبل أن يلتقط كتاب أبو الهوى، حيث تستكشف فيه صعوبة العيش في جغرافيا كل شيء فيها مسيّس، من أصغر تفصيل في حياة الفرد اليومية إلى أكبر قرار سياسي، وتطرح سؤال الفرق بين المقاومة والإرهاب.
الرواية الحائزة على جائزة فلسطين للكتاب أخيراً، تبدأ مع صحافية يهودية أميركية، ناشطة في مجال حقوق الإنسان، تُجري مقابلة مع الشخصية الأساسية (اسمها نهر) في زنزانتها في سجن إسرائيلي، ورغم أن السجينة تعرف الإنكليزية إلا أنها تجلب مترجمًا عربيًا بناء على رغبتها.
نهر امرأة فلسطينية في منتصف العمر، ممن ولدوا وعاشوا طفولتهم وحتى الرشد في الكويت قبل غزو النظام العراقي لها، لم تعرف فلسطين من قبل، ليس لديها أي اهتمام بتاريخ النكبة أو النكسة، بدلاً من ذلك فهي مفتونة بكل الأشياء الكويتية، تعتبر أنها بلدها بالتبني: "لقد كان منزلي، وكنت من الرعايا المخلصين للعائلة المالكة. كنت أصطف في كل يوم من أيام المدرسة مع الطلاب الآخرين لغناء النشيد الوطني. حتى أنني علمت نفسي التحدث بلهجتهم ويمكنني أن أرقص الخليجي أفضل من أفضل واحدة منهم. هذا ما قاله لي أحدهم". لقد تم تجاهلها في شبابها من قبل فرقة الرقص في يوم الاستقلال لأن "هذا التكريم يجب أن يكون مخصصًا للأطفال الكويتيين" لم تيأس نهر أو تشعر بالإهانة مثل والدتها؛ بالنسبة لها، كل شيء يعود إلى كونها فلسطينية، والعالم كله في الخارج ينتظر ليمسك بنا".
تستكشف الكاتبة صعوبة العيش في جغرافيا كل ما فيها مسيّس
يراقب القارئ حياة نهر وهي تتفكك وتلتئم وتتفكك، تزوجت من مناضل فلسطيني، ثم عملت فتاة ليل في الكويت، وانضمت لجنود عراقيين في الغزو، تعرضت للاغتصاب، عاشت مرتبكة مهجورة إزاء ذاتها وجسدها وحاضرها والمكان الذي ينبغي أن تنتمي إليه. غادرت الكويت إلى الأردن وارتبطت بأحد المقاومين وبدأت في فصل آخر مليء بقصص الإثارة وتهريب الأسلحة والعودة إلى فلسطين، والقبض عليها هناك وإيداعها السجن الانفرادي الذي تطلق عليه "المكعب".
تقول نهر في مونولوغ من الرواية: "عندما كانت أظافري قوية ووزني أكثر من الآن، حاولت تحديد الوقت كما يفعل السجناء، مع خط واحد على الحائط لكل يوم، في مجموعات من خمسة خطوط. سرعان ما أدركت أن دورات الضوء والظلام في المكعب لا تتطابق مع دورات العالم الخارجي. وكان من المريح معرفة أن مواكبة الحياة خارج المكعب قد بدأت تؤثر عليّ. سمح لي التخلي عن هذا التقويم بفهم أن الوقت ليس حقيقيًا، وليس له منطق في غياب الأمل أو الترقب. المكعب هو فراغ الوقت. إنه يحتوي بدلاً من ذلك على امتداد لشيء غير مسمى بدون مستقبل حاضر أو ماضٍ، أشعر به من خلال الحياة التي أتخيلها أو تلك التي أتذكرها".
تدرج أبو الهوى في الرواية 12 صفحة، فيها شرح لكلمات عربية تستخدمها كما هي في النص وترى باستحالة ترجمتها، فتصبح كأنها فهرس أو مسرد مصطلحات مرفق، نجد فيه مثلاً كلمة طرب التي تعرّفها بأنها نوع من التواصل مع الموسيقى. بوضع هذا المسرد أو الفهرس تختار أبو الهوى مخاطبة القارئ الأجنبي بالعربية، وبعناد أن يفهم اللغة التي تتكلم بها، مثلما تصر نهر على مترجم في المقابلة لأن ما يضيع في اللغة أكثر مما يقال على ما يبدو ولأن سوء الفهم، المقصود وغير المقصود، أمر لا فكاك منه بين هذين العالمين.
تبدو حياة الصراع بين نهر وجسدها وفضولها نحوه وخسارتها المتكررة لهذا الجسد، هي صورة من صور البحث عن مكان، عن موطئ قدم، لكن الجسد نفسه لم يعد صالحاً ليكون مكاناً آمناً تعيش فيه نهر بسلام ما دامت في الأساس خارج المكان. الرواية أيضاً تعيش شتات هويتها، فهي أدب فلسطيني، وأدب أميركي، وأدب الشتات الفلسطيني، وأدب المنفى، وأدب السجن، وكتابة نسوية أيضاً.