رغم التقدّم الصناعي والتكنولوجي الذي يشهده عصرُنا الحالي في مختلف المجالات، والذي فرض نفسه إلى درجة أننا صرنا نقضي وقتاً أطول في الواقع الافتراضي، منه في الواقع اليومي، لا تزال المادة الطبيعية الخام والأولى حافزاً للعديد من الفنّانين والمبدعين، من أجل اكتشاف أعمق أسرار الوجود التي لم يتمكّن هذا التقدّم من التغلغُل فيها.
يعتبر الفنان المكسيكي آلان خورخي، المعروف باسم بنياليتا، واحداً من هؤلاء الفنانين الذي يؤكدون ضرورة العودة إلى الطبيعية وعناصرها الأولى والخام من أجل اكتشاف كُنه الوجود، ومعناه الأكثر عمقاً، وليس معرضه "عودة إلى المادّة: ضدّ الذكاء الاصطناعي"، المُقام هذه الأيام، في "غاليري سان فرانسيسكو" التابع لـ"بيت أوروبا"، بالعاصمة المكسيكية، إلّا دليلاً على ذلك.
يستمرّ المعرض لغاية العشرين من الشهر الجاري، ويقدّم فيه الفنان المكسيكي اقتراحاتٍ فنيّةً، لا سيّما تلك المتعلّقة في أخذ الألواح الحجرية كمادة قماشية، وبالتالي اكتشاف القصص التي تُوحي بها الطبيعية، عبر عناصرها، على عكس التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي.
عبر 19 عملاً فنيّاً، يُقدّم بنياليتا مقاربة وإعادة تقييم لعناصر طبيعية، رافقتنا منذ نشأة الحياة على الأرض، وستستمرّ في ذلك ما دمنا على قيد الحياة: إنه الحجر، تلك المادة الطبيعية التي نستطيع أن نحسّها، ونشمّها، ونراها، والتي ليس لها إلا وظيفة واحدة فحسب: منحنا الراحة واليقين.
"أعتقد إنني أحاول أن أقدّم شيئاً طبيعياً في هذا العالم الافتراضي والتكنولوجي الذي نعيش فيه. أحاول أن أتحاور مع الحجر، أن أتعمُق في أعماقه، وأن أستخدم الفرشاة كي أنسج علاقة من الأوردة والانسجة الموجودة في داخلها، وهكذا استطيع في نهاية الأمر أن أروي قصة هذا الحجر وملايين القصص الموجودة في داخله"، يعلّق الفنان المكسيكي.
لا شك في أنّ معرض "عودة إلى المادة" هو دعوة يُوجّهها الفنان المكسيكي للمُشاهد للدخول في تواصل مباشر مع الطبيعة، والحوار مع قصصها وشخصيّاتها ورموزها وتلويناتها بعد أن أبعدتنا التكنولوجيا عن أصلنا الطبيعي.