ضدّ الهجاء

21 اغسطس 2021
سمعان خوام/ لبنان (جزء من لوحة)
+ الخط -

استمرأ عددٌ متزايدٌ من الشعراء العرب، وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، كتابة قصائد وظيفتها الوحيدة هجاء كلّ ما هو عربي، في الحاضر والماضي، سواء كان مواطنا أو حاكماً أو مجتمعاً أو ثقافة أو تاريخاً. ونضرب مثلاً بأشهر هؤلاء أو إمامهم نزار قباني الذي يستخدم ضمير "نحن" بإفراط وبلا تخصيص، في هجاء العرب والعروبة والمهرولين إلى أحضان العدو الصهيوني، بحيث يُخيَّل للمستمع أنه هو وعائلته وعشيرته من المهرولين أيضاً ماعدا هذا الشاعر بالطبع.

وفي الجانب الآخر، نجد مستمعين لأمثال هذا الهجّاء، يسمعون الشتائم والانتقاص من قدرهم وقدر أمّتهم وتاريخهم، بل وحتى عقائدهم، فينتشون ويصفّقون، وكأن الشاعر شفى غليلهم من عدو ما.

هذه ظاهرة نفسية شاذّة من أعجب الظواهر وأشدها تخريباً لوعي وقدرات الإنسان العربي، وآثارُها غير مدرَكة حتى الآن؛ فهي تشيع اليأس من أي قدرة على التغيير، ومن أي خير فيه وفي مجتمعه. والأعجب أنَّ الكلّ تقريباً يمتدح أمثال هؤلاء الهجّائين، بل ويطرب، وفي ظنّه أنهم من "المبدعين" و"المجدّدين" و"المناضلين"، وتقبل على أهاجيهم لأمّتهم ومجتمعاتهم في هذه الأيام وسائل التواصل الاجتماعي بحماس منقطع النظير، بينما ما تقوم به هذه الهجائيات في حقيقة الأمر، أيّاً كانت ذرائع أصحابها، ليس تحرير وعي الإنسان العربي أو تجديده كما يتوهم بعض الكتاب، بل إفقاد العربي إيمانه بنفسه وبقدراته، وسحق اعتزازه بنفسه وبأمّته ومجتمعه وعلاقاته الإنسانية بأبناء مجتمعه، وتحويله إلى ذرّة هائمة في فضاء خاو لا نهاية لخوائه. 


* شاعر وروائي وناقد من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون