تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "الكتابة تساعدني على فهم ذاتي، وبالتالي فهم الحياة. أكتب لأتعرّف إلى ما أشعر به وأفكّر فيه"، يقول الكاتب الفلسطيني في لقائه مع "العربي الجديد".
■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟
- أنا لا أفهم الكتابة. الكتابة تساعدني على فهم ذاتي، وبالتالي فهم الحياة. أكتب لأتعرّف إلى ما أشعر به وأفكّر فيه. الكتابة ناري ونوري. الكلمات تخطر فجأةً في بالي حين تحتدّ الحياة عليّ، أحاول التخلُّص من هذه الكلمات كما لو أنني أتخلّص من ذنب، فأعترف به بدلاً من ذلك!
■ هل تشعر بأنك جزء من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- من الصعب أن يصلني مثل هذا الشعور، لربما أكون جزءاً من جيل لم أقصد الانتماء إليه، وربما يكون هذا حال كلّ من هم جزء من هذا الجيل.
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- أحاول دائماً أن أسمع آراء من هم أكبر منّي. تربطني علاقة طيّبة مع كثير منهم في كافة أماكن الوجود الفلسطيني في فلسطين والخارج، وأنا ممتنٌّ لكثير منهم لمساهمتهم في تكوين ثقافتي وقدرتي على الكتابة. لكن هناك البعض من الأجيال السابقة ليسوا مستعدّين للتعاطي مع من هم أصغر منهم، ولا قبول أفكارهم وطموحاتهم ولا منحهم مساحاتهم، كما لو أنهم يريدون أن يكونوا الجيل الأخير في الثقافة الفلسطينية، أو أنهم يريدون أن يشكّلوا الجيل بأيديهم، وفق حدودهم!
■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
- البيئة الثقافية في بلدي فلسطين مفكّكة جغرافياً بسبب الاحتلال. غزّة المحاصرة معزولة عن الضفّة وأراضي 48 المحتلّة. يجمعنا الإنترنت أحياناً، ولكنه أبداً لن يستطيع جمعنا بما يكفي وكما يجب؛ فأنا مثلاً أتشوّق للمشاركة في فعالية في حيفا، وحضور معرض في رام الله. ولكن إلى أن يحدث ذلك، أنا في غزّة ما زال وقودي الأمل، وأحاول أن أتعرّف وأشارك المثقّفين الفلسطينيّين أينما كانوا بأي طريقة، وأحاول في غزّة وعبر الإنترنت أن أكون مساهماً في هذه البيئة، وأن أكون مغناطيساً لعدد أكبر من المتذوّقين لهذه الثقافة، خاصّة ممّن هم في عمري.
ربما أكون مثل الآخرين جزءاً من جيل لم نقصد الانتماء إليه
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
- في لحظة ما شعرتُ بأنّني بحاجة إلى أن أتخفّف من حمل قصائدي. أردت أن يحملها العالم معي، أردت أن أكون مرئياً من الداخل كما أنا من الخارج. كنتُ على وشك أن أبلغ عشرين عاماً من عمري حين صدر الكتاب، واحتفلتُ بتوقيعه في غزّة بعد أسبوع من عيد ميلادي. لقد كان يوماً لا يُوصف ولا يُنسى. صدر كتابي "أنت نافذة هم غيوم" عن "مؤسّسة تامر"، وهو مجموعة شعرية كتبتها كفتىً. وكم يسعدني ويفاجئني أن يخبرني أحدٌ من عمري أنه كان مرئياً في قصائدي.
■ أين تنشر؟
- أنشر الآن إلكترونياً في مجلّة "فسحة" نصوصاً شعرية وقراءات في مجموعات شعرية صدرت حديثاً، كما أنشر في مجلّة "28" التي تصدر في مدينة غزّة التي أعيش فيها. كنتُ في البداية أنشر نصوصي على الفيسبوك بعد وقت قليل من كتابتها، لكن رغبتي في ذلك تراجعت فجأة. الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام أمست مكاناً للتريندات والمصائب، باستثناء الإنستغرام، الذي مكّن الكثيرين من وضع نصوصهم في قوالب فنّية تشجّع على القراءة. أفكّر كثيراً في إنشاء صفحة إنستغرام عامّة تختصّ بعرض ما أكتب وما أقرأ، وغالباً سأقوم بذلك قريباً.
■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- القراءة والكتابة هما سجائري وقهوتي. أقرأ لأحتمل، وأكتب لأتجاوز. لا أدخّن السجائر، ولا أشرب القهوة، أنا أقرأ وأكتب. الخطّة الوحيدة هي وضعُ كتب الشعر على سلّم الأولويات، ووضعُها حولي متاحةً. متى توفّرت أمامي مجموعة شعرية خاصةً إذا صدرت حديثاً ولا يهمني إن كانت لشاعر مهم جدّاً أو لا، أقتنيها، ويمكن أن تمرّ فترات لا أقرأ فيها إلّا الشعر. ولكنّي بالتأكيد أقرأ أنواعاً أُخرى من الكتب كالسير الذاتية والنثر وكتب الفلسفة والعلوم الإنسانية، بالإضافة إلى أنّني أتابع بشغف كتب الأطفال والفتيان.
■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
- نعم، أقرأ باللغة الإنكليزية، وأكتب بها أيضاً.
أردت أن أكون مرئياً من الداخل كما أنا من الخارج
■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟
- تفتح الترجمة فرصة الحوار بين الثقافات، وتمدّ المتلقّي بفروع جديدة تربطه - وتزيد تمسّكه - بسماء الإنسانية، بينما يقف على جذوره. هي فرصة للتأكُّد أنّ حياتنا واحدة، وأنَّ طرق النجاة لا تُعدّ. أرغب في أن يشهد العالم العربي حركة ترجمة أنشط لبلدان لا نعرف ما يكفي عن أدبها - وبالتالي طرق نجاتها -. وبالطبع، أرغب في أن أرى أعمالي مترجمةً لأتمكّن من قراءة ذاتي عبر مجهر آخر.
■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك المقبل؟
- كنتُ أعتقد أنَّ لديَّ مجموعة شعرية ثانية جاهزة للنشر، لكن تغيُّرات كثيرة مررتُ بها في السنة الأخيرة تجعل هذا الاعتقاد غير مُرضٍ، لديّ قصائد مبعثرة بين اللابتوب والهاتف كتبتُها خلال هذه التغيرات، لم أجد الوقت والطمأنينة لأقرّر مصيرها بعد. وبما أنّ كثيراً من القراء لا يدركون أن هناك فترة طويلة بين الاتفاق على نشر عمل ما وبين صدوره فعلياً، وما أصعب هذه الفترة! أرى أن هذه الفرصة مناسبة لأُعلن أنه لدي عملاً أدبياً للصغار - وللكبار بالضرورة - متحمّس جداً وقلِقٌ جداً بشأنه، وهو عبارة عن قصة، ستصدر قريباً عن "مؤسّسة تامر" في رام الله، سيكون عنوانها: "لهذا ريان يمشي هكذا".
بطاقة
شاعر فلسطيني من مواليد مدينة غزّة، في 22 نيسان/ إبريل 1998. صدرت مجموعته الشعرية الأولى "أنت نافذة هم غيوم" عن "مؤسّسة تامر" عام 2018، ينشر في عدّة منصّات ثقافية إلكترونية. درس علم الاجتماع وعلم النفس في جامعة الأزهر بغزّة، وكان أحد الفائزين في مسابقة "كتابي الأول" عام 2012 ومسابقة Novell Gaza للقصّة القصيرة عام 2019.