صوت جديد مع: إسحاق العجمي

14 سبتمبر 2024
إسحاق العجمي
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الهاجس الحالي والكتابة الجديدة**: الشاعر العُماني إسحاق العجمي يعبر عن قلقه من العدوان على غزّة، مشيرًا إلى أن ما يحدث هناك يتجاوز العقاب الفردي ليصبح إبادة جماعية. يرى أن الكتابة الجديدة هي امتداد للماضي وتقوم بدور جوهري في علاقتنا بالزمن.

- **الجيل الأدبي والعلاقة مع الأجيال السابقة**: العجمي يؤكد على أهمية الاستقلالية الفردية في الإبداع الشعري، ويرى أن العلاقة مع الأجيال السابقة يجب أن تبرز الاختلاف وتجنب الاندماج الكلي لتعزيز الابتكار.

- **البيئة الثقافية والنشر والقراءة**: يعبر العجمي عن ضعف العلاقة مع البيئة الثقافية في بلده، وينشر أعماله في دور نشر مختلفة. يعتبر القراءة نشاطًا مستمرًا ومتنوعًا، ويؤمن بأهمية الترجمة. يعمل حاليًا على مشروع جديد بعنوان "القرية" ومجموعة شعرية جديدة.

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "الكتابة التي تقوم بدور جوهري في علاقتنا بالزمن، لا بداية ولا نهاية لها"، يقول الشاعر العُماني إسحاق العجمي لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- قد يصعب التصديق أنّ أكثر من أربعين ألفًا قُتلوا في الوقت الذي يرى الإنسان أنّه وصلَ إلى أعلى درجات الحضارة والمدَنية، وهذا يدفعنا للتساؤل حول مفاهيم وقيم العصر الحديث. في الحالة الراهنة، ما يحدثُ في غَزّة مع هذه الإحصائيات المُرعِبة التي نقرؤها من أعداد القتلى وتدمير البيوت والبنى التحتيّة، وانتشار الأمراض والأوبئة والمجاعة وسواها من صُور الإبادة الوحشيّة، يتجاوز أن يكون عقابًا فرديًا لمجموعةٍ تعيشُ في مكانٍ مُحدَّدٍ وتُظهِر قدرة ملحمية وأسطوريّة على مواصلة الحياة. هذا العالَم يُعاني من خطر اللّامبالاة والاستمتاع بالمذابح أمام أنظار العامّة، وأراه أكثر بُعدًا من أيِّ وقتٍ عن رُوح التقارب والإخاء، ولا أظنّه يحتاج إلى برهان آخر، ونجده مُصرًّا أيضًا على أن يكونَ مخطئًا ومقتنعًا بما يروّج لنفسه وضدّ نفسه، من الأكاذيب وبأشكالٍ لا أخلاقيّة. وأيًّا كانت النتائج؛ فإنَّ هولَ ما يحدث بوصفه سكوتًا مُتعمّدًا عن واحدة من أفظع مجازر عصرنا، سيصبح ملازمًا للتخاذل والأنانيّة في ذاكرة الجنس البشري. فهل يولد الأمل بعد هذه الأحداث المأساوية؟


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- ليست هنالك كتابةٌ جديدة، حتى أنّ التحوّلات التي قد يتصوّرها البعض أنّها أعمال بعيدة عن تقاليد القوالب القديمة، هي في الحقيقة نماذج مُدهشة لذات المنهج الذي تحكمه قيم الجمال والفنّ والأدب. الإبداعات الجديدة في الكتابة والتي تبتكر أشكالها الجمالية لم تنفصل عن الماضي، على العكس من ذلك فهي تكشف عن نفسها، إنها رؤية أكثر انسجامًا في مسيرة المحاولات المستمرّة لفهم العالَم والإنسان لذاته. إنّ مهمّة الكتابة ألّا تُحارب ظهور ما يُمكن أن تكون عليه في الحاضر أو المستقبل أو تشعر بأنّها مخترقة، بل عليها أن تتعامل مع هذا التطوّر على أنّه صورة جادّة للواقع الذي يعترف بالماضي ويطلب الاعتراف به. طالما أنّ الكتابة هي التي تقوم بالدور الجوهري لعلاقتنا بالزمن، فهي إذن لا تمتلك بداية أو نهاية.

عُزلة كورونا أزاحت الستارة عن أول مجموعة شعريّة لي

■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه؟ وما هي هذه الملامح؟

- أعتقد من السلامة ألّا أُقدّم نفسي جزءًا من أيّ جيلٍ أدبيّ. في رأيي، لا يُمكن لتطوّر حالتنا الشعريّة أن يكون متطابقًا، ما يُسمّى بالجيل الأدبيّ مضادٌّ للانفصال ولتوسُّع الشاعر مع إشراقاته الخاصة واستقلاليته؛ ليكون فردًا في جوقةٍ واحدةٍ أو إيجادِ موهبته في مرجعيّةٍ ما. أشعُر بأنّ علينا أن نذهب بعيدًا على الصعيد الفرديّ، متجاوزين مساعي التكرار لمصلحة نكران ما يجمع ويُفرّق، ولعدم التورّط في هذا المأزق؛ علينا ألّا نكون نسخة أُخرى لتحقيق الهوية، وأن يخاطر الشاعر بقصيدته في الرحابة مثلما يرى باتجاه ذاته.


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- علاقة الشاعر بأسلافه الشعراء، بالنسبة لي، عليها أن تُبرز الاختلاف بينه وبينهم، أنْ يتوقّع دائمًا أنّ هنالك شيئاً مصنوعاً قبله، ويسعى إلى امتلاك نصيبه من الكثير المتبقّي، هذه المفارقة تستوعب الجميع وهي التحدّي الذي يُعزّز من قدرته على العبقريّة وما يبدو عليه ذلك الشاعر المجتهد. يجب عليه أيضًا أن يَتجنّب فشل العلاقة أو الاندماج الكلّي، فالغاية أن يكون نفسه في كتابته للقصيدة، أن يقترب منهم بما يكفي وأن يسمح بمغادرتهم في انقلاب الحلم على الواقع، وأن يعيدها في كلّ مرّةٍ، بحياديّة تامّة بين خصمين. في كلّ الأحوال، يُمارس الشاعر هذه اللذّة على حافة كلماته وهو يتذكّر.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- لأكون واضحًا في الإجابة عن هذا السؤال، بالكاد أشعر بوجود تأثيرٍ أو علاقة مع البيئة الثقافيّة هنا. إنّ نفي هذه العلاقة ليس ردّ فعل أو محاولة سبق لخطّةِ عمل؛ لكنّها تأتي في الأساس على قناعة أنّ المجتمعات قد فقدت نداءاتها المستقلّة، وأصبحنا غير قادرين على استبدال ما نعرفه بما رأيناه.


■ كيف صدر كتابك الأول؟ وكم كان عمرك؟

- "ليلٌ قصير"، حدث ذلك في ليالي كورونا. قد يبدو العنوان ملتبسًا بعض الشيء، ربما رغبة في الاختزال أو تهكّم يرتبط بقلق الهزيمة من خطرٍ مُحدق. فكرته متناقضة، حيث يصبح مفهوم الليل مرايا للتأويلات المُمكنة أو رؤيا للمقاومة؛ من خلال تخيّلات تفكّك آليات الذاكرة المُرتبطة بالمرض والصرخات الأخيرةِ أكثر من تسجيلٍ خاصٍ للحالة أو القضيّة الشخصيّة. ربما الليل هو الذي ساعدنا على التخلّص من عبء المبالغة بالخوف والاستسلام، ممّا قد يصبح الواحد منّا شخصًا يائسًا وبائسًا أيضًا .تلك كانت هي الطريقة التي عَبّرتُ بها عمّا أصاب الحياة من عطبٍ وغيابٍ، وتلك العزلة أيضًا أزاحت الستارة عن أول مجموعة شعريّة لي.

لم تنفصل الإبداعات الجديدة والمبتكَرة يوماً عن الماضي


■ أين تنشر؟

- من المصادفة أنّ أعمالي الثلاثة نُشرت في دُورِ نشرٍ مختلفة. ما يُميّز الناشر من ثقافة ووعيٍ جماليّ ضروريّ جدًّا في هذا الوقت لنشر مجموعتك الشعريّة، حيث قُرّاء الشعر الآن قلّة، وقد لا يُحقّق مصلحة أو فائدة للدار، والشاعر أيضًا مُغرَمٌ بالتجريب حتى على مستوى النشر، وهذه التعدديّة قد تكون محاولة دائمة للبحث عن قرّاء متحمّسين للشِّعر أو بمثابةِ تَجدُّدٍ في العلاقات الخارجيّة بين الشاعر والناشر.


■ كيف تقرأ؟ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- القراءة هي ما أقوم به طوال الوقت، عندما كنتُ في الجامعة وما قبلها، كنتُ أقرأُ كلّ ما أعثر عليه أو أراه، كان الأمر أشبه بمعاينةٍ أوّليّةٍ أو اكتشاف الدروب لطموحِ الشابّ، هي الحالة التي أظنّها تسبقُ القراءةَ ذاتها، أو نوع من الاهتمام التأمّليّ للّذي يستحوذ عليك، حتى تصبح العلاقة مألوفة بينكم. الآن لي آرائي الخاصة في الاختيار والمواجهة أيضًا، هذه التعقيدات في القراءة مستقرّة وعلى الدوام تجعلني في إغراء أن أمنح لها الوقت الكافي.

أغلفة كتب إسحق العجمي - القسم الثقافي


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- اللغة العربية تمنحني أسخى ما يمكن اكتشافه من أساليبٍ وصور، في نفس الوقت أشعر بأنّه علينا ألّا نغفل عن اللغات الأُخرى. أحيانًا تقدم لي تجربة القراءة باللغة الإنكليزيّة خبرة في اتجاه الآخر بشكلٍ منصف، من الواضح أنّ الاختلاف فعّال وضروريّ وأنّ مزايا القراءة بلغة أُخرى لا تجعله مغلقًا أو محتفظًا بنرجسيّة الإقامة في لغته وحده.


■ كيف تنظر إلى الترجمة؟ وهل لديك رغبة في أن تُتَرجَم أعمالُك؟

- الترجمة نشاط عالميّ واقتراب بين لُغتين وتؤدّي إلى قراءات جديدة ومغايرة، وقد تُوسّع دائرة النقد، هي مبادرة للتكامل مع الآخر وحركة تصاعدية في عمل الكاتب. تُرجمت مجموعتي الأولى "ليل قصير" إلى اللغة الفارسيّة بواسطة المترجمة معصومة التميمي، وهناك ترجمات للغات أُخرى قيد العمل.


■ ماذا تكتب الآن؟ وما هو إصدارك القادم؟

- "القرية". منذ المجموعة الأُولى وأنا أشتغل على هذا المشروع، الاستزادة التي يظلّ فيها الشاعر منتقّلًا في الدرجة والنوع والقفز المُتحرّر من كلّ ما يُخشى، إحياء الأسئلة الصعبة والأكثر خصوصية والتي قد تتضافر يومًا ما في سعيها الدائم نحو الحركة والتكامل بين الكيانات الأُخرى. وفي الأفق مجموعة شعرية جديدة قد تصدر بداية العام المُقبل لتحطّ في سلسلتها للتفكير في الهوية بهموم مترابطة.



بطاقة

شاعر وكاتب عُماني من مواليد عام 1982، حاصل على البكالوريوس في التربية من "جامعة السلطان قابوس". صدرت له ثلاث مجموعات شعريّة: "ليل قصير" (2022)، و"صورة عكسيّة للفاو" (2023)، و"النّعي الأخير" (2024).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون