يتتبّع الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر (1966) في معظم أعماله مشاهد تنتمي إلى الطبيعة في بلاده حيث وُلد في إحدى القرى التي تقع على النيل الأزرق، حيث اختزنت ذاكرته تلك المناظر بالإضافة إلى تصاميم الكروشيه المحبوكة التي كانت تصنعها والدته وتحتوي صورا لحيوانات وهمية، ودوائر ومثلثات متشابكة إلى ما لا نهاية، مع ألوان لا يمكن لأحد أن يراها غيره.
حتى العاشر من أيار/ مايو المقبل، يتواصل في "غاليري 1957" بلندن معرضه الجديد الذي يحمل عنوان "الكهرباء المركزية وإدارة المياه" الذي افتتح مساء الخميس الماضي، بتنظيم مشترك مع "غاليري فيغو".
يعود المر إلى العناصر الضرورية للحياة في العالم الحديث، في مزيج من الذكريات والتخييل، معايناً طفولته في السودان الحديث حيث بدأت مشاريع إنتاج الماء والطاقة، في محاولة لاستيعاب وإعادة تفسير الذاكرة والمكان والتاريخ انطلاقاً من هذا المنظور.
كما يشير إلى أنه عندما دخلت إدارة الكهرباء والماء المركزية قريته حين كان طفلاً، تملّكته الدهشة والإثارة لخطط الشركة، لدى مشاهدته الهياكل التي تحتوي على المياه وتوزع الكهرباء، مستعرضاً في عدد من اللوحات تلك القصص والمشاعر من الخوف والأمل، وعلاقات المال والسلطة، والاحتفال الجماعي بالتطوّرات الحديثة، ومشاهد الصيادين على ضفاف نهر النيل في تلك الفترة.
في تقديمه للمعرض، يدوّن المر: "ما زلت أتذكر طرقاً لجامع الفاتورة على الباب. وأرى خزانات المياه. أبراج من الإسمنت في ارتفاعات شاهقة مليئة بالمياه التي تكسر السماء... هذه المباني الجميلة تلمس قلبي وروحي".
يشاهد الزائر في إحدى اللوحات المعروضة موظفاً في شركة الكهرباء بزيّه الرسمي ذي اللون الأصفر، وخلفه علبة الكهرباء حيث يوجد زرّا التشغيل والإيقاف، بينما يرسم بورتريهاً لمحصّل الكهرباء الذي كان يجوب القرى النائية موزّعاً الفواتير على المواطنين ويجمع منهم المبالغ المترتبة عليهم.
ويركّز الفنان على التفاصيل المكمّلة للشخوص التي يرسمها، إذ تشكّل تلك العلاقة المفترضة التي تربط هؤلاء الأشخاص بعضهم ببعض، كما تصنع الخلفيات نسقاً تزيينياً يمتدّ إلى الأرضية على هيئة متواليات هندسية، أو خطوط مستقيمة تحيط بأطراف المساحة المرسومة.
يُذكر أن صلاح المر يحمل درجة البكالوريوس في التصميم الغرافيكي من "جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا"، ويعالج في أعماله قضايا اجتماعية وسياسية موضوعية، ومنها السلسلة التي عُرضت لأول مرة عام 2021، وتروي تاريخ السجن في السودان منذ الستينيات.