لم ننتظر طويلاً، بعد صعود مواقع التواصل الاجتماعية وحيازتها شعبيةً كبيرة، كي نرى أنها تستطيع أيضاً أن تُقدّم مقترحاتٍ ثقافية معقولة تتّخذ من هذا الفضاء الرقمي "مقرّاً" افتراضياً لها، وإنْ كان هذا النوع من المقترحات والبرامج الثقافية يبقى الحلقة الأكثر ندرةً على هذه المواقع، المُلتَفتة بشكلٍ عامٍّ إلى الترفيه والتسلية.
من بين التجارب التي استطاعت لفتَ الانتباه على الساحة الثقافية خلال الفترة الأخيرة، تجربة "صالون تفكير"، الذي جاء من رغبة في النقاش والحوار ــ عبر وسائل الإنترنت ــ حول أفكار وقضايا تشغل المثقّفين والمجتمعات التي يعيشون فيها، والذي تحوّل، مع الوقت، من موعد لمجموعة أصدقاء يلتقون شهرياً إلى نواة باتت تستضيف باحثين وكتّاباً وفنّانين، بشكل دوري، للحديث عن أحدث أعمالهم أو اشتغالاتهم، أو للنقاش في جلسات موضوعاتية.
أمس الخميس، انطلق "موسم صالون تفكير" الخاصّ بشهر رمضان الحالي، والذي يضمّ محاضرات ولقاءات تُبَثّ عبر حساب الصالون على فيسبوك ويوتيوب، ويستضيف باحثِين وكتّاباً يتناولون مسائل عن تاريخ الإسلام وتاريخ مصر، أو قضايا أكثر راهنية، مثل إشكالية المواطَنة والمساواة.
أوّل المواعيد تمثَّلَ بمحاضرة الباحث والصحافي حسن حافظ التي حملت عنوان "هوامش على الدعوة الإسماعيلية: الدولة والدعوة والمصريون"، والتي عاد فيها إلى تاريخ هذه الدعوة، وازدهارها خلال العهد الفاطمي الذي استمرّ في مصر أكثر من قرنين بقليل (969 ـ 1171 للميلاد)، وجعل من مصر مركزاً لهذه الدعوة، سواء داخل البلد أو في المناطق غير الخاضعة لنفوذ الفاطميّين، مثل اليمن.
وتوقّف حافظ ــ صاحب كتاب "الدعوة الإسماعيلية في مصر" (الهيئة المصرية للكتاب، 2022) ــ عند أساليب عمل الإسماعيليين لنشر مذهبهم الديني، حيث العمل بسرّية وعبر مجموعات منظّمة وشديدة التعقيد، من أجل تغيير المجتمع من الداخل وتجنُّب المواجهة. كما عاد إلى مرحلة الانشقاقات في الدولة الفاطمية ولدى زعماء الدعوة، وتشعُّب الإسماعيلية إلى مذاهب فرعية، وما جرى لتابعِي المذهب بعد انهيار الدولة.
يتضمّن برنامج "صالون تفكير" ستّ محاضرات أُخرى تُقام بشكل يومي حتى التاسع عشر من نيسان/ أبريل الجاري؛ حيث تتوقّف محاضرة هذا المساء (التاسعة بتوقيت القاهرة)، التي يقدّمها الباحث أحمد الزلوعي، عند مسألة قيام الدولة الأموية وشخصية معاوية بن أبي سفيان، في حين يخصّص فادي عوض مداخلته، مساء الإثنين المقبل (17 من الشهر الجاري) لمقاربة "صورة العمل ومعنى الحداثة في كتاب 'وصف مصر'".
أما آخر حلقتين في البرنامج، فيقدّمها كلٌّ من الباحثين عبد الباسط هيكل، الذي يتحدّث مساء الثلاثاء المقبل تحت عنوان "المواطَنة وإشكالية المساواة في الفكر الديني: شارع المسلمين أم شارع المواطنين؟"، ومحمد المرقطن الذي يبحث، في محاضرته مساء الأربعاء، في تصوّرنا اليوم لـ"الخارطة اللغوية للجزيرة العربية قبل الإسلام في ضوء الاكتشافات الأثرية".