صاروخ الرابعة فجراً

28 أكتوبر 2023
ثلاثة أطفال يسيرون فوق أنقاض مباني دمّرها القصف الإسرائيلي على غزة، أول أمس (Getty)
+ الخط -

وأنا أكتب هذه الكلمات، دقّ ولدي أحمد على شبّاك الغرفة الأرضية، من الشارع العام، قادماً من بيته البعيد، وناداني، في السادسة صباحاً، فحدست: ربك يستر.

صعدتُ الدرج وفتحتُ الباب، فعانقني وأخبرني أن الطابقين العلويين من عمارة جيراننا وأصهارنا، بيت أبو محسن، وشظايا صاروخ مع أشلاء لأطفال وشباب ونساء، سقطت على البيت وأزالت بعض جدرانه.

قلت: فداكم.

قال: أهلي كلهم بخير، وأخواتي، أُصبن طفيفاً، وهنّ يجمعن الأشلاء الآن، لكنّ الأصهار فقدوا 14 شهيداً وعدداً آخر غير معروف، بينما عُرفت جارة منهم، ولدت أول أمس، وكانت أختُها جاءت لتساعدها، فاستشهدتا مع الرضيعة. ووجدنا رضيعة أُخرى مقذوفة بقوة الانفجار، من الطابق الرابع، إلى أرض بيتنا، وكانت مثل قطعة فحم لا لحم، متكوّمة فوق ماتور الكهرباء، حيّةً تتنفس.

فداء لمستقبل الأحفاد أن يعيشوا بكرامة على أرضهم

قال إن الصاروخ وقع في الرابعة فجراً، وهذه آخر المعلومات، وبعد ساعات نعرف أسماء الشهداء والمصابين جميعاً.
قال: كلنا نزحنا لمدرسة الأونروا.

اتصلت وكلّمت البنات، بصعوبة بالغة، ثم نزلت لأكمل المقال، موطنّاً العقل على أن الجميع مشاريع شهادة، ولا أحد يموت أو يحيا هناك إلا بالصدفة.

إنه الثمن المتوقّع للواقفين في وجه المستعمر المغرور بغطرسته، وقد أُهين تماماً.

وإننا جاهزون للفقد وللصبر على الفقد، مهما غلت التضحيات، فداءً لأرض الأجداد، ولمستقبل الأحفاد ـ أن يعيشوا بكرامة على أرضهم، وألا يحيوا مثلنا مشردين في المنافي وخيم اللجوء، مكبّلين بالذل والهوان، في كل مراحل أعمارهم.

الرحمة لمن ارتقى، والصمود لمن يتلقى صواريخ الجبناء من الجو، كعادة العدو الجبان، الذي لا يكتفي بما أجرم، بل يُلاحق الجنازات ويقصفها.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون