في عام 1980، عاد شانت أفيديسيان إلى القاهرة للعمل في مشروع مشترك مع حسن فتحي، ليجتمعا على صداقة دامت حوالي عشر سنوات تأثّر خلالها بنظريات المعماري الشهير من خلال استخدامه الموادّ والحِرَف اليدوية في أعماله اللاحقة.
لم تشكّل تلك الصداقةُ المرجعيةَ الوحيدة في تجربة الفنان المصري الأرمني (1951 - 2018)، إذ يمتزج لديه مخزونه البصري في طفولة عاشها في الصعيد، بفضاءات القاهرة التاريخية التي انكبّ على دراسة نماذج خطوطها في المساجد والتّكايا والزوايا، بالإضافة إلى دراسته الطباعة والغرافيك وفق مدارسه الغربية.
المعرض الاستعادي، الذي افتُتح نهاية الشهر الماضي ويختتم اليوم في "غاليري آرت توكس" بالعاصمة المصرية بعنوان "شانت.. أغنية مصرية"، يضمّ مختارات من أعماله تعود إلى المجموعة الخاصة بجورج ميكاليان (1914 - 1986)، أحد أبرز المقتنين في مصر.
ارتبط بصداقة مع المعماري حسن فتحي وتأثر بنظرياته
يتجوّل الزائر بين فسيفساء توثّق ملامح متعدّدة من الفنون الشعبية المصرية، بدءاً من الوجوه الفرعونية والعناصر الطبيعية المستمّدة من تراث النوبة وأزياء وحليّ النساء الصعيديات، مروراً بالهندسة والمنسوجات والزخارف الإسلامية، الفاطمية والمملوكية والعثمانية، وانتهاءً بالفن الباروكي الذي تميّزت به العمارة خلال عهد الأسرة الخديوية.
كما تُمثّل أعمال شانت وثيقة بصرية ترصد جوانب مختلفة من أحوال المجتمع المصري ويومياته بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهي تتوزّع على اشتغالاته المتعدّدة في الرسم والتصوير الفوتوغرافي وتصميم ملصقات الأفلام السينمائية والأزياء والمنسوجات.
يَبرز التطريز والكولاج كعنصرَيْن أساسيّين لدى الفنّان الذي قدّمهما في بُعد شرقي، محاكياً صناعة الأقمشة الملوّنة المعروفة بـ"فنّ الخيامية"، وتتداخل فيها مفردات من الفنون الإسلامية بالأيقونات القبطية، سواء في الأعمال التي صوّر خلالها الأرياف أو المدينة أو الحياة الفنية المعاصرة في مصر.
سجّل يوميات الحياة المصرية خلال الستينيات والسبعينيات
يتتبّع شانت المراكب الشراعية في النيل، والتي تحضر في عدد من رسوماته كما رآها طفلاً بالقرب من مدينة الأقصر في أقصى الجنوب المصري، وكذلك المرأة الصعيدية بجلبابها الأسود التقليدي وهي تحمل الخبز فوق رأسها، أو أشجار النخيل التي تتنشر في تلك المنطقة أيضاً.
في أعمال أخرى، تظهر القاهرة بطبقات متراكمة من العمارة والنقوش التي تنتمي إلى حقب تاريخية متنوّعة يتعامل معها الفنّان بنوع من الحنين إلى الماضي، في محاولة للتأكيد على تشكيل جميع تلك المشاهد لذاكرته وانتمائه، وهو هاجس لم يغادره في سنواته الأخيرة، حيث عاد سؤال الهوية ليلحّ عليه في فترةٍ بدت له مصر مغايرةً فيها عن تلك التي عاشها حتى التسعينيات.
يضمّ المعرض أيضاً بورتريهات شانت التي تعبّر عن رموز النهضة الفنية في مصر خلال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الفائت، وهي الأكثر انتشاراً بين أعماله، حيث تصوّر جمال عبد الناصر وأم كلثوم؛ الشخصيتين اللتين تناولهما في نسَخٍ كثيرة، وعبد الحليم حافظ، وفاتن حمامة، وأسمهان، وهند رستم، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، وفريد الأطرش، وآخرين.