"سينما الواقع": أفلامٌ تأخذ نبْض العالَم

30 مارس 2023
من فيلم "الراي رايي" للمخرج الجزائري خالد الشيخ
+ الخط -

منذ انتقاله عام 2003 إلى "المكتبة العمومية للمعلومات" في "مركز بومبيدو" بباريس، حيث يُقام ربيعَ كلّ عام، تحوّل مهرجان "سينما الواقع" إلى واحدٍ من أبرز المواعيد السنوية للسينما الوثائقية حول العالَم، إن لم يكن أبرزها، بما يقترحه من عشرات الأفلام الجديدة والجادّة لعددٍ من أبرز صانعي الوثائقيات في غرب المعمورة ومشرقها.

المهرجان، الذي تأسّس في العاصمة الفرنسية عام 1978، عاد يوم الجمعة الماضي بدورته الخامسة والأربعين، التي تستمرّ حتى الأحد المقبل، الثاني من نيسان/ أبريل، بمشاركة أربعين فيلماً وثائقياً طويلاً وقصيراً في مسابقاته الرسمية، إلى جانب العديد من الأعمال التي تُعرَض خارج هذه المنافسة. أعمالٌ تُعرَض، في أغلبها، للمرّة الأولى، وجرى اختيارُها من بين أكثر من 1500 فيلمٍ قُدّم للمشاركة في هذه الدورة.

ومثل الأعوام السابقة، تُعطي بانوراما الأفلام المشاركة صورةً عن راهن الاشتغال الوثائقي في المعمورة، حيث الأفلام، التي تمتدّ من فيتنام إلى الأرجنتين، مروراً بلبنان والجزائر وفرنسا وإيطاليا وغيرها، تبدو وكأنّها تأخذ نبض عالَمنا، وأسئلته، والأزمات التي تعتريه، والنضالات التي تخوضها مجتمعاته.

تتوزّع الأعمال المشاركة، والنقاشات التي تُصاحبها، على العديد من المحاور والبرامج: من "العالَم، الآخَر"، الذي يقدّم مجموعةً من التجارب التسجيلية البارزة التي كسرت الأساليب التقليدية في السرد الوثائقي، إلى برنامج "جبهات شعبية"، الذي يقترح أعمالاً تُسائل طُرق عيش المجتمعات والأفراد في وجه الرأسمالية وفي ظلّ الأزمات البيئية، وصولاً إلى المهرجان، هذا العام، بالسينما الوثائقية الفيتنامية، ولا سيّما التيّار الذي عُرف باسم "السينما المباشرة"، التي تُعطي الأولوية إلى تصوير الواقع وحقائقه على حساب الجانب الفنّي والتقني من الاشتغال السينمائي.

وضمن هذا السياق تُعرَض أعمالٌ لجماعة "فاران فيتنام"، التي كانت بالأساس ورشةً لإعداد المخرجين الوثائقيين الشباب رأت النور عام 2004، قبل أن تتحوّل، بدءاً من 2016، إلى مجموعة من المخرجين المستقلّين الذين كانوا قد بدأوا تجاربهم في تلك الورشات، والذين راحوا يزوّدون المشهد الوثائقي في بلدهم، وخارجهم، بالعديد من الأعمال التي تُصوّر أحوال فيتنام السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. 

ومن الأعمال المعروضة ضمن هذا الإطار فيلمُ "أطفال الضباب"، الذي يُعرَض يوم الأحد المقبل، ويضيء على قضيّة تزويج القاصرات في المناطق الجبلية الواقعة شمال بلد؛ أو مثل "بوميلو"، الذي يُعرَض السبت، ويصوّر هدم أحد الأحياء العشوائية في هانوي من أجل بناء طريق سريع، وتأثير ذلك على حياة السكّان.

خارج هذه الاستعادة الفيتنامية، يُعرَض العديد من الأعمال البارزة، مثل "رحلة إلى البُحيرة"، للمخرجة البريطانية إيمانويله ديموري، التي كانت قد أنجزت فيلماً لافتاً، عام 2007، حول حي المفروزة العشوائي، أو ما تبقّى منه، في الإسكندرية. أمّا في عملها المشارك هذا العام، فتذهب ديموري إلى بُحيرة بولسينا (نحو 100 كيلومتر شمال روما)، لتصوّر أحوال المُقيمين حولها من مهاجرين ولاجئين وعمّال أجانب وغيرهم.

كما يستعيد المهرجان أعمال ثلاثة من أبرز مخرجي الوقائقيات الفرنسيين وأكثرهم تجريباً وبحثاً عن أشكال فنّية جديدة لإخبار القضايا والمسائل التي يتناولونها. والحديث هنا عن كلٍّ من فرانسو برونان (1952)، التي يُعرض عشرةٌ من أفلامها، وبعضها خصّصتْه لمدن وشخصيات عربية، مثل "تحت الشمس المشرقة لمسقط رأسك"، الذي تتحدّث فيه ثلاث نساء بيروتيات عن ذكرياتهنّ وعن حياتهنّ في فرنسا بعيداً عن أرضهنّ الأولى.

أمّا الاسمان الآخران، فهُما جان بيير غوران (1943)، أحد أبرز مخرجي الوثائقي الفرنسيين الأحياء، والذي عُرف بتعاونه مع جان لوك غودار في إطار "مجموعة دزيغا فيرتوف"، وكذلك أوليفييه زابات (1965)، الذي يُعَدّ من أبرز وجوه السينما المباشرة في فرنسا اليوم.

أمّا عربياً، فتسجّل هذه النسخة من المهرجان الباريسي مشاركة مجموعة من الأفلام، ولا سيّما من لبنان والجزائر، مثل: في قلْب أحلامٍ أُخرى لبيروت" (2023)، الذي تصوّر فيه مايا عبد الملك تجارب ويوميات أشخاصاً ومَعالِم مختلفة، ضمن تساؤل عن حال العاصمة اللبنانية اليوم: هل تعيش على رماد ماضيها، أم أن تلازُم الحياة والموت فيها هو أسلوب عيشها؟

يُعرَض كذلك فيلم ماهر أبي سمرا "من الضفّة الأُخرى" (2022)، الذي يتابع من خلاله نضال سيلفانا ومحمّد ضدّ مجتمع يعزلهما وينظر إليهما من الأعلى بسبب إعاقتهما؛ ويُعرَض أيضاً "الراي رايي" (2022) للجزائري وليد الشيخ، و"الحديقة السرّية" (2023) للبنانية نور عويضة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون