كتابة سير رجال السياسة أمر دارج في كل الثقافات. لكن هذا التمرين يصبح معقدّاً حين تختلط الحقيقة التاريخية بالأسطورة، حتى لو كانت هذه الشخصية قد عاشت في مرحلة تاريخية قريبة كما هو الحال مع نابليون بونابرت.
عاش الإمبراطور الفرنسي بين نهاية القرن الثامن عشر والثلث الأول من القرن التاسع عشر، أي في "وضح التاريخ" بعبارة هيغل، حيث أن المرحلة التي عاش فيها كانت أوروبا تشهد فيها انتباهاً وتوثيقاً لكل ما يمكن أن يضمّه كتاب.
يتصدّى المؤرّخ الفرنسي تيري لانتز، في كتابه الصادر منذ أيام، "نابليون: لديّ طموحات كبيرة" (منشورات غاليمار)، إلى إشكالية حضور الأسطرة حتى مع اعتماد الأساليب المنهجية في كتابة السير. بذلك فإن عمله ليس فقط كتابة جديدة لسيرة نابليون بل هو في الآن ذاته مراجعة لأبرز السير التي كتبت عنه.
اختار لانتز في عنوان كتابه انتقاء عبارة وردت في إحدى النصوص التي كتبها نابليون، وهي وثائق يرى فيها المؤرخ الفرنسي صورة حيّة عن الإمبراطور، والذي لم يكن يبني لنفسه أسطورة بل كان منشغلاً بفهم الأسباب التي تمكّنه من نيل طموحاته.
هذه المقاربة تتيح للانتز أن يفنّد مقولة تعتبر أن الطغاة يجنّدون المؤرّخين لصناعة أساطيرهم، حيث أن العودة إلى كتابات نابليون الشخصية تشير إلى أن المؤرّخين لهم نزعة إلى أسطرة الشخصيات، وهو أمر لا ينبع بالضرورة من سوء نية، ولكن العقد النظري الذي تنبني حوله كتب السيرة يقوم على أسطرة ضمنية تبرّر انتقاء شخصية ما للكتابة عن حياتها.