"سيدي حميد بينينغالي": ّمهرجانٌ من مخيّلة ثربانتس

15 يونيو 2023
من جلسات المهرجان في سيدني، بحضور الكاتب الإسباني أدولفو غارسيا أورتيغا (في الوسط)
+ الخط -

سيدي حميد بينينغالي (Cide Hamete Benengeli)، شخصية خيالية ومؤرّخ مسلمٌ افتراضي ابتكره ميغيل ثربانتس، في روايته "دون كيخوتي دي لا منشا"، ناسباً الرواية إليه. هذه اللعبة المجازية الأدبية التي استخدمها الكاتب الإسباني من أجل إعطاء مصداقية لروايته، ساعدته في إيهام القرّاء بأن شخصية دون كيخوته حقيقية من ناحية، وفي جعل القارئ يفكر أنّ القصة قد يكون عمرها عقوداً، من ناحية أخرى.

وبينينغالي، كما عرّفه ثربانتس، هو "مسلم عربي يتحدّث الإسبانية"، وهذا يعني أنه مورسكيٌّ. وأغلب الظن أن يكون جزائرياً، ذلك أن ثربانتس، كما هو معروف، عاش في الأسْر، خمس سنوات، في الجزائر العاصمة، واستطاع أن يتنقّل في المدنية ويتعرّف إليها جيداً.

اختلف الباحثون في أصل الاسم، فبعضهم مال إلى حمادة، مثل عبد العزيز الأهواني. وبعضهم إلى حميد أو حامد، مثل عبد الرحمن بدوي. أمّا آخرون، فمالوا إلى اسم أحمد، باعتباره الأكثر شيوعاً. وكان هذا رأي محمود علي مكّي.

أكثر من ستين كاتباً وكاتبة في حوار عن الملحمة وسردياتها 

أمّا بالنسبة إلى الكنية، بينينغالي، فقد سال الكثير من الحبر حول أصلها. وكان أول اقتراحٍ في هذا الصدد تفسير المستعرب أنطونيو كوندي الذي قال إنه يمكن أن يكون "ابن الأيل"، وقد تبنّى عبد الرحمن بدوي هذا الرأي. البعض الآخر اعتبر أن الاسم يمكن أن يكون ابن الإنجيل، أو بني برنجل، أو ابن الحيل، إلخ.

وبغضّ النظر عن الاسم وأصله، بقيت شخصية بينينغالي رمزاً من رموز رواية "دون كيخوته" التي لم تعد، من زمن، بحاجة إلى تعريف في شتّى أصقاع العالَم. وها هو "معهد ثربانتس"، اليوم، يعود مجدّداً ليؤكّد على عالمية هذا الاسم، عبر تنظيمه للدورة الثالثة من "مهرجان بينينغالي"، الذي انطلق يوم الإثنين الماضي ويُختَتم غداً، في مقرّات "معهد ثربانتس" في ثمان مدن رئيسية من قارّات العالم: سيدني، وطوكيو، ومانيلا، وبروكسل، وتولوز، ومانشستر، وطنجة، ولوس أنجليس.

هل الملحمة حنين إلى الماضي أم أنّها تحوّل سردي جديد؟

يشارك في المهرجان أكثر من ستّين كاتباً وكاتبة من الأرجنتين، والمكسيك، وإسبانيا، وكوستاريكا وكولومبيا وفنزويلا، وغيرها من بلدان العالم الناطقة باللغة الإسبانية، يتحاورن مع مؤلفين من أستراليا، وبلجيكا، وفرنسا، وبريطانيا، والمغرب العربي. ومن بين المشاركين مجموعة من أبرز الكتّاب في عالم السرد الهيسباني، مثل المكسيكي خوان فيورو، ومانويل فياس، ولويس مايتو دييز وأدولفو غارسيا أورتيغا من إسبانيا، والكولومبية بيداد بونّيت.

ومحور المهرجان ثيمة "الملحمة"، حيث يتساءل المشاركون حول إمكانية وجود رواية أو قصّة يمكن من خلالها إلقاء نظرة على واقع الملحمة اليوم، لمعرفة ما إذا كان ذلك مجرد حنين إلى الماضي أو دليلاً على تحوّل سردي له عواقب جمالية. وإذا كان السرد الحديث قد نشأ في قطيعة مع الملحمة، حيث الشخصيات لا تلعب دور البطولة المطلقة، ولا تجسّد بالضرورة صفات وقيَم شعوبها وأممها، فإن واقع السرد اليوم في إسبانيا، والعالم بشكل عام، يقدّم جوانب أخرى شبيهة إلى حدِّ ما بجوانب من ذلك التقليد الأدبي.

المساهمون