سيباستيان ميرافيت: قرنان من الفكر قبل سقراط

28 مايو 2023
جزء من عمل حفريّ من القرن 19 يصوّر فيثاغورس وتلامذته (Getty)
+ الخط -

لقرون طويلة، اعتاد مؤرّخو الفلسفة الإغريقية على القول بأنّها وُلدت مع سقراط، الذي وصلتنا أفكارُه بشكل رئيسي من حوارات تلميذه أفلاطون، المدوّنة خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وهو ما فتح المجال على اعتقادٍ بأنّ "أمّ الحكمة" ظهرت بشكل مفاجئ، من دون مقدّمات، وبأن السابقين على سقراط لم يكونوا يعرفون الكثير عن الخطاب الفلسفي.

اعتقادٌ راح يتراجع منذ النصف الأول من القرن الماضي، مع اهتمام مزيدٍ من الفلاسفة والمؤرّخين وحتى علماء الحفريات بـ الفترة السابقة على ولادة "أب الفلسفة"، وهو ما أفضى إلى اكتشاف وإعادة اكتشاف عشرات الأسماء التي اشتغلت بالعلوم والفكر وفنون اللغة والبلاغة، ضمن حقبة زمنية باتت تُعرَف اليوم بمرحلة ما قبل سقراط.

"السابقون على سقراط، خطوةً خطوة" عنوان كتاب للباحث الفرنسي سيباستيان ميرافيت، صدر قبل أيّام عن منشورات "إليبس" في باريس، وفيه يقدّم نظرةً شاملة حول قرنين من الفكر الذي سبق ولادة سقراط: أي في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد.

الصورة
قبل سقراط

ليس الكتاب عملاً معجمياً يسعى إلى فهرسة أفكار وحيوات المفكّرين التسعين الذين يتناولهم، ولا هو بكتاب تبسيطيّ لأفكارهم. إنه محاولةٌ في التأريخ فلسفياً لتلك المرحلة، أي عبر النظر في النقاشات التي شغلت مَن عاشوا خلالها، والمدارس الفكرية التي انتموا إليها أو انتقدوها، إلى جانب الجديد الذي جاؤوا بها مقارنةً بمَن سبقوهم، وأثرهم على الفكر الإغريقي اللاحق، بل وحتى على الفكر حتى يومنا هذا.

ينوّع ميرافيت في تأريخه لموضوعه. فهو يبدأ كتابه بتقسيم الاشتغالات ما قبل السقراطية إلى مجموعات جغرافية أو تيارات، حيث يستعرض في الفصل الأول فلسفات وعلوم الأيونيين (تالس، أناكسيماندر، هيراقليطس، إلخ)، وفي الفصل الثاني الفيثاغوريين (فيثاغورس، فيلولاوس، إلخ)، ومن بعد ذلك الإيليين (أتباع المدرسة الإيلية: إكزينوفان، بارمينيدس، إلخ) في الفصل الثالث، لينتهي في الفصل الرابع مع ما يسمّيه "ما بعد البارمينديين"، وهي مرحلة تشمل تيارات مثل الذرّيين أو مجموعة من السفسطائيين والخطباء.

لكنّ المؤلّف يعود، في النصف الثاني من كتابه، ليقترح تركيباً وإعادة صياغة لتلك المرحلة من ناحية المقولة والفعل الفلسفي، تحت عنوان عريض هو "أربع نظرات شاملة حول الفكر ما قبل السقراطي". والحديث هنا عمّا يسمّيه، أولاً، البنى الأولية للعقلانية والعلاقات في ما بينها، وعن الأسطورة التأسيسية للعقلانية والفلسفة، وعن العلاقة بين الأساطير واللاعقلانية، قبل أن ينتهي بالحديث عن مكانة السياسة في فكر ما قبل السقراطيين.

المساهمون