بعد قرابة سبعة عشر عاماً من الإغلاق، افتُتح قبل أيام "المسرح الروماني" في مدينة سكيكدة، شرق الجزائر، أمام الزوّار مُجدّداً، لتنتهي بذلك، أو تكاد، واحدةٌ مِن أطول فترات ترميم المواقع الأثرية في البلاد.
شُيّد المسرح الروماني، الذي يتّسع لأكثر من ستّة آلاف متفرّج، خلال فترة حُكم الإمبراطور الروماني أدريان في القرن الثاني للميلاد، بقطع حجرية ضخمة في منحدر جبلي على مساحة تقارب أربعة آلاف متر مرّبع، وتعرّض للتدمير خلال فترة الاستعمار الفرنسي الذي بنى فوقه ثانويةً للبنات.
كان المسرحُ فضاءً للعديد من التظاهرات الثقافية في المدينة الساحلية قبل إغلاقه عام 2003 بعد التدهوُر الذي طاول أعمدته ومدرّجاته بسببٍ من العوامل المناخية والبشرية. غير أنَّ أشغال ترميمه لم تنطلق إلّا بعد سنواتٍ من ذلك، وظلّ موعدُ تسليمه يتأجّل في كلّ مرّة.
ففي 2019، وعد مسؤولو القطاع الثقافي في "روسيكادا"، وهو الاسم الروماني لمدينة سكيكدة، بتسليم المسرح في الجزء الثاني من تلك السنة، مُبرّرين تأخُّر استكمال عمليات الترميم بالمشاكل غير المتوقّعة التي كانت تظهر خلال الأشغال. لكنَّ ذلك لم يتحقّق إلّا بعد أكثر من سنة.
لن يعود إلى استقبال التظاهرات الثقافية إلّا بعد انتهاء الأشغال
خلال أشغال الترميم، اكتشف آثاريون من "المركز الوطني للبحث في علم الآثار" سنة 2010 ركحَ المسرح ومدرّجاته الأصلية على عمق ثلاثة أمتار من سطح الأرض، وهو ما أعطى صورةً أوضح عن مساحته الحقيقية التي تجعل منه الأكبر حجماً بين المسارح الرومانية في شمال أفريقيا؛ حيث يبلغ قطره قرابة ثمانية وسبعين متراً.
وشملت الأشغالُ تهيئة الركح والمدخل الرئيسي والمدرّجات، وترميم الأعمدة، وتحويل قناةٍ لمياه الشرب تعود إلى الفترة الاستعمارية، واكتُشفت في 2016، إلى خارج المسرح، بعدما كانت تعبر تحته، إضافةً إلى إنشاء فضاءٍ خاص بالفنّانين.
وتمّت، أيضاً، تهيئة الحديقة الأثرية المحيطة بالمسرح لتضمَّ قطعاً أثرية كانت مبعثرةً داخله، وتُضاف إلى ما تحتويه من توابيت جنائزية حجرية ورخامية وأعمدة من الرخام والغرانيت وتيجان وكتابات لاتينية. كما جرى ترميم جدارها الذي انهار قبل فترةٍ ليست بعيدة بسبب انجراف التربة.
مع ذلك، فإنَّ أشغال الترميم لم تنته تماماً؛ إذ قال مدير الثقافة في ولاية سكيكدة، عبد العزيز بوجلابة، في تصريحات صحافية، إنَّ الافتتاح يخصُّ الزيارات السياحية فقط، بينما لن يعود المدرّج إلى استقبال التظاهرات الثقافية والفنية إلّا بعد انتهاء كلّ الأشغال، دون أن يُحدّد موعداً نهائياً لذلك، مشيراً، في هذا السياق، إلى وضع حواجز حول "الأماكن التي قد تُشكّل خطراً على الزوّار".
تُثير هذه التصريحات تساؤلاتٍ عن سبب الاستعجال في فتح المسرح مجدّداً قبل استكمال عمليات الترميم بشكل نهائي، وأيضاً عن تاريخ انتهاء الأشغال الذي يأمل كثيرون ألّا يطول كثيراً، وهي تساؤلاتٌ تُضاف إلى التساؤل حول مدى الوفاء لروح المبنى الأصلي، خصوصاً أنَّ الترميم أظهر نتيجةً لا تكاد تمتّ إلى المبنى الروماني بصلة.