كان الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ (1881 - 1942) من أبرز أدباء القرن العشرين. وعلى الرغم من مرور ثمانين عاماً على رحيله، إلّا أنَّ عدداً لا يُحصى من القرّاء لا يزال مفتوناً بكتبه؛ سواء قصصه النفسية المثيرة، والتي كان فرويد نفسه معجباً بها، أو كتب السيرة الذاتية التي وثّق فيها أدبياً حيوات شخصيات أدبية بارزة.
ومع ذلك أثار هذا الكاتب جدلاً كبيراً بين محبين ومنتقدين، فقد انقسم النقّاد ومؤرخي الأدب حول أعماله التي اعتبرها البعض بسيطة الأسلوب، لكن ذات تأثير إنساني كبير، في حين انتقد آخرون ما وصفوه بسطحية معالجته للعديد من الأفكار التي طرحها، وانسحب الأمر أيضاً حيال مواقفه السياسية، حيث أشار البعض إلى أنه لم يعارض النازية إلى حين أحرق نظام هتلر كتبه.
"ستيفان زفايغ: حياة وأعمال عملاق الأدب" هو عنوان الكتاب الجديد الصادر عن دار "أربا" الإسبانية، للكاتب والباحث الإسباني لويس فيرناندو مورينو، أحد أبرز المتخصصين في أعمال الكاتب النمساوي.
استناداً إلى شهادات الأصدقاء والمعارف ومراسلات هائلة، يعيد لويس فرناندو مورينو بناء الحياة المهنية والفكرية لستيفان زفايغ. يصوّره في تعقيدات حياته كلّها، منذ اكتشاف مهنته الأدبية في مراهقته، إلى نهايته المريرة؛ منفياً من أوروبا ثمّ مُنتحراً مع زوجته عام 1942. ولا يكتفي الباحث الإسباني بذلك، بل يعلّق على أشهر أعماله، محلّلاً الزمن الذي عاش فيه، وهو ما يميز هذه السيرة عن غيرها ويجعلها مرجعاً لمن يرغب في التعمّق في ألغاز واكتشافات الكاتب النمساوي.
يبدأ الباحث الإسباني كتابه منطلقاً من اقتباس تمهيدي لكافكا، يلخّص من خلاله إحدى أبرز سمات الكاتب النمساوي، وهي نفاد الصبر، حيث يقول: "لقد نفد صبره من الحياة، لكن نفد صبره من الموت أيضاً، ولهذا انتهت حياته بهذا الشكل المرير، في مدينة بتروبوليس البرازيلية حيث لجأ، بعد أن تخلى بالفعل عن جغرافية أوروبا، وفوق كل شيء رسم لها في أعماله صورة تبدو فيها وكأنها تنقرض".
غير أنَّ لويس فرناندو، الذي سبق أن أصدر العديد من الكتب عن الكاتب النمساوي، يتعمّق في تحليل السياق الأدبي والنفسي الذي عاش فيه زفايغ، والذي يصفه مورينو بأنّه كاتب سير ذاتية بالمقام الأول، حيث يقول: "كان الكاتب النمساوي مقتنعاً أنّه أوّلاً وقبل كل شيء كاتب سيرة ذاتية. لذلك كان فهمه للحياة قائماً على أساس أنّها دقائق لا متناهية، ولكن في خضم هذه الدقائق اللامتناهية، ثمّة دقيقة حاسمة وواحدة فقط هي التي تُشعل حياتنا وعالمنا الأكثر حميمية، وهذه الدقيقة هي نفسها التي تحوّلنا إلى رماد".
ويتابع الكاتب الإسباني سرد تفاصيل وشهادات عن حياة الكاتب النمساوي، التي وكما يقول، "قامت بشكل أساسي على الاستيلاء على ما أطلق عليه هو نفسه الجوهر الأصيل للوجود"، في إشارة إلى الخلية التي تولد منها المعرفة، فبصفته كاتب سيرة ذاتية ظل زفايغ مخلصاً لهذه القناعة التي دفعته إلى بذل كل جهد ليعرف ويكشف المفتاح النفسي الذي يمكن أن يقوده إلى فهم شخصياته في هذا العالم، وربما هذا ما دفعه، بالمعنى العميق، إلى الانتحار.