في القرن العشرين، ولا سيّما في الربع الأخير منه، صعدت السينما ـ التي كانت ما تزال فنّاً يبحث عن تثبيت دعائمه ـ كموضوع جديد بين المواضيع التي يمكن للفلسفة والفكر التفكير فيها، أو انطلاقاً منها، من أجل تجاوُزها نحو الواقع الذي جاءت منه أو حاولت التعبير عنه.
في فرنسا، يُعرَف الفيلسوف جيل دولوز (1925 ـ 1995) كواحد من أبرز الأسماء التي أخذت الفنّ السابع على محمل الجدّ، حيث لم ينظر صاحب كتابي "سينما 1: الصورة ـ الحركة" و"سينما 2: الصورة ـ الزمن" إلى هذا الفنّ كمنبع لأمثلة بصرية توضيحية تُضاف إلى نظريات جاهزة، بل كعالَم يتطلّب من الفلسفة قراءةً ونظريةً خاصّتين به.
أمّا ما وراء المحيط الأطلسي، في الولايات المتّحدة الأميركية، فإن اسم الفيلسوف ستانلي كافل (1926 ـ 2018) هو الذي يشكّل مرجعاً في ما يخصّ الكتابة من وجهة نظر المفاهيم والأفكار الفلسفية عن الأفلام، حيث نشر الفيلسوف المختصّ بـ إميرسون وبنظرية القيمة أعمالاً مثل "العالم معروضاً على شاشة"، و"بحثاً عن السعادة: هوليوود وكويميديا الزواج من جديد"، و"فلسفة الصالات المعتمة".
عن منشورات "المدرسة العليا للمعلّمين" في مدينة ليون الفرنسية، صدر حديثاً الكتاب الجماعي "شاشةُ أفكارنا: ستانلي كافل، الفلسفة والسينما"، من تحرير الباحث إليز دوميناك، وهو عملٌ يبحث في علاقة هذا الفيلسوف بالفن السابع، وهو الذي "سعى طيلة حياته إلى توسيع حقل الفلسفة ليشمل الفنون"، بحسب مقدّمة الكتاب.
يتوزّع الكتاب في ثلاثة أجزاء يتناول الأوّل منها مسألة ظهور المعنى في الأفلام، في حين يركّز الثاني على أعمال كافل حول هوليوود وعلى علاقة التفلسف الأميركي بالسينما، بينما يتناول القسم الأخير مسألة السيرة الذاتية ودور السينما في التعليم الأخلاقي.
ومن الأفكار الجديدة في هذا الكتاب، ليس توقّفه عند تأثير الفن السابع على فكر الأكاديمي الأميركي فحسب، بل البحث في تأثيره على المخرجين، وهو أمر نادراً ما يجري التوقّف عنده، حيث نعثر في الكتاب على حوارات مع عدد من المخرجين الفرنسيين والبلجيكيين، مثل لوك درادن وأرنو ديبلاشان وكلير سيمون، الذين يتحدّثون عن دور كتابات كافل في تغيير نظرتهم إلى عملهم كمخرجين.