تلقي هذه الزاوية الضوء على موقع إلكتروني لمبدع عربي، في محاولة لقراءة انشغالاته عبر فضاء استحدثته التكنولوجيا وبات أشبه ببطاقة هوية.
نادراً ما نلتقي، على الشبكة العنكبوتية، بمواقع إلكترونية خاصّة بالكتّاب والمفكّرين الجزائريّين؛ إذْ يبدو أنَّ ثمّةَ استعاضةً عن المواقع الشخصية التي تتطلّبُ جُهداً تقنياً وإنفاقاً مادياً بالصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُتيح لأعضائها نشراً سريعاً وحضوراً أكبر يعزّزه التفاعل المباشر، كما تتميّز بالمجّانية وسهولة الاستخدام.
المفكّر الراحل مالك بن نبي (1905 - 1973) هو أحد الأسماء الجزائرية القليلة التي نجد لها موقعاً إلكترونياً يُتيحُ معلوماتٍ عن سيرته وأعماله الفكرية وقراءاتٍ فيها، كما يوثّق لعددٍ من اللقاءات التي أُجريت معه، والمحاضرات التي ألقاها أو أُلقيت حوله.
يُضيء الموقع على سيرة صاحب "شروط النهضة" وأعماله الفكرية والنقدية، مِن خلال مواد أرشيفية تتنوّع بين المقالات المكتوبة بالعربية والفرنسية والإنكليزية، إضافةً إلى الرسائل الأكاديمية والمحاضرات التي أُعدّت حوله، وبعض القراءات في أعماله.
يتوزّع الموقع بين عددٍ من الأقسامٍ التي تنبثق عنها نوافذ فرعية تتصدّرُ واجهات بعضها شذراتٌ تقدّم صورةً عن أفكار بن نبي ونظرته إلى قضايا أمّته وعصره؛ ففي قسم "صوتيات"، مثلاً، نقرأ مقولةً له تختصر رؤيته التقدمية لدور المرأة في المجتمع: "المرأة والرجل أمام واجبات واحدة في مرحلة النهضة".
يبدو تجميعاً لمواد متفرّقة نُشر معظمها في وسائل إعلامية مختلفة
كما يوفّر الموقع مجموعةً من الحوارات الصحافية، التي نُشرت في وسائل إعلام مختلفة، مع باحثين وأفراد من عائلة بن نبي، إلى جانب مقالاتٍ لكتّاب وأكاديميّين جزائريّين وعرب؛ من بينهم: محمد بابا عمي، وعدنان خليل باشا، وجيلالي بوبكر، ومولود عويمر، وفوضيل بومالة، وعائشة أم أحمد.
على صعيد آخر، يُقدّم الموقع "مكتبةً" تضمّ بعض مؤلّفات صاحب "شروط النهضة"، لكنّه لا يُوفّر معلوماتٍ عنها ولا يتيح للزائر نسخاً إلكترونية مباشرةً على منصّته (للبيع أو مجّاناً) أو روابط يمكن أن يقتنيها أو على الأقل أن يطلع عليها ضمن رصيد مكتبة من المكتبات كما نجد في مواقع أخرى تقدّم للمتابع معلومات الوصول إلى مدوّنة الشخصية المعنية في مكتبة وطنية أو جامعية معروفة. وفي المقابل، تُرفَق أغلفة الكتب بروابط لتحميلها من مواقع خارجية، يُعدّ توفيرها للكتب الإلكترونية - على فائدته - غير قانوني.
وبالنسبة إلى مفكّر لا نرى كثيراً من صوره الشخصية على الإنترنت، تبدو الصورة هي الغائب الأكبر عن الموقع؛ إذ لا نعثر فيه سوى على صورةٍ واحدة للمفكّر الجزائري، هي صورته الأكثر شهرةً وتداولاً، بينما يتوقّع الزائر أن يعثر فيه على صورٍ نادرةٍ وغير متاحة في أماكن أُخرى، سواءٌ لبن نبي في مراحل مختلفةٍ من حياته، أو لمنزله في مدينة تبسّة (شرقي الجزائر) الذي يجري الحديث منذ سنواتٍ عن العمل على تحويله إلى متحف، بينما لا يزال عرضةً للإهمال إلى اليوم.
مِن جهةٍ أُخرى، نعثر في الموقع على أقسام غير مفعّلة؛ مثل قسم "صوتيات" الذي لا يتضمّن أيّة موادٍ صوتية في الحقيقة، بينما يُحسب على الموقع بساطته وتحيينه المستمرّ، وانفتاحه على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تخصيصه نوافذ لصفحاته الرسمية على فيسبوك وتويتر ويوتيوب.
في المحصّلة، يبدو الموقع تجميعاً لمواد متفرّقة نُشر معظمها في وسائل إعلامية مختلفة، وهو أمرٌ يكشف في النهاية عن أنَّ جُهداً فردياً يقف خلفه ليس أكثر. وربّما لولا هذا الشخصُ الذي فكّر في جمع موادٍ حول مالك بن نبي لظلّ الأخير كغيره من كتّاب ومفكّرين جزائريّين كُثُر بلا موقع إلكتروني.