استقبلتنا الكاتبة المكسيكية إلينا بونياتوسكا (1932)، في منزلها بأحد أحياء مدينة مكسيكو، وهي تُعاتبنا بلُطف لتأخيرنا زيارتها. كان ذلك عام 2017، حين استضافتني في بيتها، رفقة الأكاديمي والمترجِم الفلسطيني شادي روحانا. لم أكُن أتوقّع حينها أن أحصل على هذه المقابلة بسهولة. فكّرتُ أنه ربما تكون في قمّة الانشغال بالكتابة واللقاءات والندوات... إلخ.
أثّرت عليّ الصورة النمطية الخاصة بالشخصيات المشهورة التي يصعب التواصل معها، ثم إنّ السيرة الذاتية لبونياتوسكا طويلة وزاخرة، فهي من أبرز الروائيّين والصحافيّين في بلادها، ونالت مجموعة من الجوائز الأدبية الرفيعة، آخرُها "جائزة كارلوس فوينتس"، الممنوحة من قبل وزارة الثقافة المكسيكية، و"الجامعة الوطنية المستقلّة"، منتصف آب/ أغسطس الجاري، إضافة لـ"جائزة سربانتس للآداب" عام 2014، وغيرها من التكريمات.
عدا أنها تُدعى بلقب تقول إنه لا يعني لها شيئاً "الأميرة الحمراء"، كونها سليلة عائلة مَلكية أوروبية نُفيت إلى المكسيك بعد الحرب العالمية الأُولى. وهي "أميرة" فعلاً، بتواضُعها المعهود وسلوكها الطيّب.
الحديث عن نفسها وعن أعمالها لم يُكن يشكّل لها أيّة أولوية
نزلتْ درجات السُّلّم نحو الطابق الأول، حيث نجلس، كانت ترتدي طقماً وحذاءً رياضيَّين. قدّمت لنا الشاي والبسكويت وأصرّت علينا أن نتناول منهما، ثم أحضرت آلة تسجيل صغيرة الحجم، مُخصّصة لأغراض تسجيل المقابلات الصحافية، وبدأت تُحاورني وسط ذهولي ممّا تفعل.
كنتُ قد اتّفقت معها سابقاً، وعبر صديقتي الشاعرة أمبر باست، أن أُجري معها مقابلة حول مسائل عدّة تخصُّ أحداث وسياسات بلادها، وعن الأدب والكتابة والصحافة، وهي أُمور تدخل جميعها في حيّز اهتماماتها، لكنّ شغفها بالمعرفة ساقها لطرح الأسئلة عليّ أكثر من منحي إجابات... الحديث عن نفسها وعن أعمالها لم يكن يشكّل لها أية أولوية.
سألتها لاحقاً عن أهمّ "تقنية" تستخدمها في المقابلات الصحافية؟ فأجابت: الجهل. فحين أنظر إلى أشياء أجهل معناها، أبدأ السؤال عنها. ربما هذا ما دفعها مرّة لقضاء تسع ساعات كاملة في إجراء حوار صحافي مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز.
اتّجهَتْ إلى حيث نجلس، وبدأت تُحاورني وسط ذهولي ممّا تفعل
في معرض الكتاب من ذلك العام، حضرتُ ندوة لها على هامش الفعاليات. بالكاد وجدت مقعداً لي رغم وصولي المبكّر إلى الصالة الكبيرة التي لم تتّسع لجميع الحضور، فبقي الكثيرون واقفين. ساد الصمت القاعة وتأثّر الحضور وهي تقرأ جزءاً من روايتها "ليلة تلاتيلولكو" التي تتحدّث عن مجزرة ارتكبها الجيش المكسيكي ضدّ طلاب جامعات محتجّين عام 1968، وعندما جاء دور الأسئلة كانت تُمازح الحاضرين، وتنجح في نقلهم من حالةٍ إلى أُخرى بسهولة، ولم تردَّ شخصاً طلب منها توقيعاً أو صورة.
شاركت بونياتوسكا في دبلجة فيلم الأطفال العالمي "كوكو"، لتؤدّي صوت "ماما كوكو" من العام نفسه (2017)، اتّصلتُ بها هاتفياً بعد حضور الفيلم مع أطفالي، أخبرتُها أنهم لا يصدّقون أنني أتحدّث إلى ماما كوكو شخصياً، فطلبَتِ الحديث إليهم، سألتْهم: ما رأيكم بأدائي؟
*صحافية ومترجمة أردنية فلسطينية مقيمة في نيكاراغوا