يعدّ الشاعر الفلسطيني زكريا محمد (1950-2023) الذي رحل اليوم الأربعاء في مدينة رام الله، أحد أبرز الأصوات في المشهد الشعري الفلسطيني ما بين أواخر السبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في لحظة انعطاف وتمرّد على رؤية رومانسية هيمنت خلال تلك الفترة، وتوجّهه نحو اليومي والفرداني والهامش بعيداً عن الأفكار الكبرى.
وُلد الراحل باسم "داود محمد عيد" في بلدة الزاوية (جنوب غرب نابلس)، ودرس الأدب العربي في "جامعة بغداد"، وبعد تخرّجه منها سنة 1975 انتقل إلى عمّان التي نشر فيها العديد من نصوصه الأولى، ومنها إلى بيروت حيث انخرط في يسار "منظمة التحرير الفلسطينية"، وعمل في صحافتها وفي منابر إعلامية وثقافية فلسطينية مختلفة في بيروت وعمّان ودمشق ورام الله. وبعد اتفاقية أوسلو كان من ضمن من "عادوا" إلى فلسطين، حيث كان ضمن فريق تحرير مجلة "دفاتر ثقافية" التي أصدرتها "وزارة الثقافة الفلسطينية" في رام الله بعد تأسيسها، كما عمل بعدها لعدّة سنوات سكرتيرَ تحرير لمجلة "الكرمل".
نشر محمد أول مجموعة شعرية تحت عنوان "قصائد أخيرة" (1981)، في عنوان يشير إلى تطلعات جيل يأمل بتغيير العالم ممزوجاً بسؤال الجدوى، ثم تّأخر إصدار مجموعة ثانية بعنوان "أشغال يدوية" حتى عام 1990، ومع نشره المجموعة الثالثة "الجواد يجتاز اسكدار" (1994)، يعترف في أكثر من مقابلة صحافية أنها مثّلت الكتاب الذي صالحه مع فكرة "جدوى الشعر". أصدر بعدها عدة مجموعات شعرية هي: "ضربة شمس"، و"حجر البهت"، و"كشتبان"، و"علندي"، و"زرواند"، إلى جانب روايتيْ: "العين المعتمة"، و"عصا الراعي"، وكتابين للأطفال هما "أول زهرة في الأرض"، و"مغني المطر" وكتاب مقالات بعنوان "ديك المنارة".
في مطلع الألفية الثالثة، اتجه زكريا محمد نحو البحث في ديانات العرب القديمة قبل الإسلام في قراءة مخالفة للأطروحات العربية السائدة، ووضع مؤلّفات عديدة منها: "ديانة مكّة في الجاهليّة: كتابُ الميسر والقداح"، و"ديانة مكّة في الجاهليّة: الحمس والطلس والحلّة"، و"مضرّط الحجارة: كتابُ اللقب والأسطورة ، و"ذاتُ النحيين: الأمثال الجاهليّة بين الطقس والأسطورة، و"نقوشٌ عربيّة قبل الإسلام"، و"اللغز والمفتاح: رُقم دير علا ونقوس سيناء المبكّرة."، و"نخلة طيء - كشف سر الفلسطينيين القدماء"، و"عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة الجاهلية".
يحضر الموت في العديد من قصائد محمد، كجزء من حركة كونية دائرية غالباً، حيث لا نهاية للحياة والزمن إنما هناك تعاقب موت وحياة ثم موت وهكذا، ويقول في قصيدة "زراوند" في مجموعته الأخيرة": "فجأة ردّ لي الموت ما أخذه مني. وقفتْ عربته أمام بيتي، وأنزلت كل شيء: أحبتي الذين اختطفهم مني، أصدقاء طفولتي، والأمل بتنورته القصيرة. لم يعد لدي ما أبكيه. أستطيع الآن أن أضع نعلي تحت رأسي كي آخذ غفوة طويلة".
كان آخر ما شاركه على صفحته في فيسبوك في اليوم الأخير من شهر تموز/ يوليو الماضي ، مقالة الشاعر عباس بيضون المنشورة في "العربي الجديد" عن مجموعاته الشعرية الثلاث الأخيرة تحت عنوان "زكريا محمد.. النص المطلق".