"رَسْم الشعر" لضياء العزاوي: من لبيد بن ربيعة إلى مظفّر النواب

05 يناير 2023
"رثاء البيت"، عملٌ مستوحى من قصائد سركون بولص، أكريليك على ورق مقوّى، 1998 (من المعرض)
+ الخط -

أشَدُّ ما يرتبط اسمُ التشكيلي العراقي ضياء العزاوي (1939)، بالأعمال الضخمة والكبيرة من لوحاتٍ وتجهيزات. وفي هذا السياق، يُمكننا الحديث عن توقيعات مختلفة، أشهرها -ربّما- "صبرا وشاتيلا" (1982)، الجدارية التي تصوّر المجزرة الوحشية التي ارتكبتها مليشيات طائفية مسلّحة بحقّ المخيّم الفلسطيني في بيروت، في أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وبرعايته، وصولاً إلى مشاركة العزّاوي الأخيرة في الدورة الثامنة والخمسين من "معرض الفن المعاصر" في بنسلفانيا، بعملٍ تجهيزي سمّاه: "أطلال مدينتين: الموصل وحلب"، الذي يُمكنُ أن نقرأه في ذات السياق، حيثُ يتقاطع فيه عاملان: حضور خلفية تاريخية سياسية واضحة، وامتدادٌ في الحجم يضع العمل في مساحة واسعة.

لكن هناك، هناك خطٌّ آخر بدأ العزاوي يشتغل عليه، بدأ يتبلور مع استقراره في لندن عام 1976، يُلاحَظُ من خلاله أنّ التراث كموضوعة فنية متكاملة العناصر، راح يتركُ علاماته بقوّة على أعمال العزاوي. وهو بدوره يؤكّد الانجذاب إليه، عبر أعمال تتعشّق فيها الخطوطُ العربية، بجملة من النصوص الشعرية، التي لعبَت دوراً حيوياً وتجديدياً، وهذا ما تجلّى في مشروعه الذي عُرفَ باسم "الدفاتر".

تُعبّر "الدفاتر" عن فَهْمٍ عميق للشعر العربي في بُعده الإنساني

في الخامس عشر من الشهر الماضي، افتُتح في "متحف أشموليان للفن والأركيولوجيا" بأكسفورد البريطانية، معرضٌ جديد للعزاوي، ويقوم في أساسه على استعادة تلك "الدفاتر"، ويحمل عنوان "رسم الشعر"، حيثُ يتواصل حتى الحادي عشر من حزيران/ يونيو، الصيفَ المُقبِل، وهو المعرض الأوّل في بريطانيا، الذي يُخصَّص لهذه "الدفاتر".

الصورة
تحية إلى جواد - القسم الثقافي
"تحية لجواد"، ألوان مائية وباستيل وحبر على ورق

تُعبّر الأعمال عن فَهْمٍ عميق لكونية الشعر العربي من جهة، كذلك فإنّها تبني على قوسٍ ممتدّة من عنترة بن شداد ولبيد بن ربيعة في العصر الجاهلي، التي بدأ الاشتغال عليها في أواخر السبعينيات، وصولاً إلى أُخرى مُستلهَمة من أشعار أمل دنقل ومظفّر النواب وأدونيس وسعدي يوسف وسركون بولص وغيرهم من شعراء القرن العشرين، أو حتى مأخوذة عن وقائع من تاريخ العراق المُعاصر، مثل: "دفتر السواد العراقي"، و"كتاب مدينة مدمّرة: الموصل"، و"كتاب العار" (عن حادثة نهْب "المتحف الوطني العراقي"، بُعيد الغزو الأميركي عام 2003)، وكلّها مشغولة عام 2020. لكن أكثر ما يُميّز هذا المشروع أنّ صاحب "تحية إلى جواد" (1988)، يضع العربية في إطار أركيولوجي واسع، وبهذا تغدو اللغة عنده متشابكة مع مشاريع سابقة مثل: "دراسات في ملحمة جلجامش" (1966).

الصورة
كتاب العار - القسم الثقافي
"كتاب العار: تدمير المتحف العراقي"، مواد مختلطة

أمّا عن مرجعية مشروع "الدفاتر" في اللوحة المعاصرة، ولأيّ فكرة كان ينظر وهو يشتغل عليها، فيمكنُ إرجاعُها إلى "جاز" هنري ماتيس الذي قدّمه عام 1947. 

يستغرقُ العزاوي في ألوانه، ويشدُّ التاريخ السياسي كخلفيات إلى لوحاته، وبهذين الشرطين، أي الاستغراق في اللون كتقنية، والتاريخ كموضوعة، يقيمُ "رَسْمَه" للشعر، بما هو تواصلٌ فنيٌّ مع الناس وآلامهم وما يُعانونه من توحّش ديكتاتوريات وظلاميات واستعمار، إذ لا تعكس انتقاءاته الشعرية جُمَلاً لا مؤدّيات لها، بل هي دلالة على وعي الشعر بالتاريخ من حولنا.  

المساهمون