في كتابها "العراق بين الحربيْن العالميتيْن.. الأصول العسكرية للطغيان" الذي صدرت طبعته الأولى عام 1986، تعود أستاذة التاريخ ريفا سبيكتور سيمون إلى العوامل الثقافية والأيديولوجية التي لعبت دوراً متساوياً إلى جانب العوامل الطبقية، إن لم تكن أكثر، في تشكيل تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
تدرس المؤلّفة السياقات التي أنتجت النخبة الحاكمة عند إنشاء العراق عام 1921، حيث لجأت إلى القومية العربية لتكون المصدرَ الأيديولوجي الجديد للوحدة والولاء، وأصبحت المدارس والجيش الفضاءَ الأساسي لزرعها على يد عدد من الضباط الذين عملوا في الجيش العثماني سابقاً إلى جانب الجيش الحجازي بقيادة فيصل بن الحسين.
صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن "دار المأمون للترجمة والنشر" بترجمة الباحث العراقي مهند طالب الحمدي، ضمن "مبادرة ترجمة المئة كتاب" التي أعلنت عنها وزارة الثقافة العراقية عام 2020.
تدرس المؤلّفة السياقات التي أنتجت النخبة الحاكمة عند إنشاء المملكة العراقية عام 1921
تعتمد سيمون على العديد من الوثائق غير المنشورة سابقاً، في محاولة فهم الدوافع التي قادت مجموعة من الضباط العراقيين بالخروج على إرادة الاحتلال البريطاني عام 1941، خلال الحرب العالمية الثانية، والانحياز لموقف ألمانيا، والتي تركت تأثيرها على أجيال من العسكريين العراقيين خلال العقود الثلاثة اللاحقة.
في الفصل الأول، "إنشاء دولة"، يعرّج الكتاب على تباين المواقف داخل الإدارة البريطانية حول تأسيس العراق الحديث، خلال مؤتمر عُقد في القاهرة سنة 1921 في أعقاب انتفاضة شعبية اندلعت في المدن العراقية التي احتلها البريطانيون آنذاك، حيث رُسمت حدود الدولة الحديثة وتمّ تحديد طبيعة النظام الملكي الذي حكم حتى عام 1958.
"الضبّاط، ألمانيا، والقومية" هو عنوان الفصل الثاني الذي يناقش كيف استند الضباط العراقيون الذين درسوا في الكليات العسكرية العثمانية إلى نموذج القومية العربية في سعيهم لتوحيد المشاعر الوطنية بعد استلامهم المناصب العليا خلال العشرينيات والثلاثينيات، ويقدّم الفصل الثالث، "الضباط في العراق"، صورة شاملة عن أفكار العسكريين العراقيين قبل الحرب العالمية الثانية حول إنشاء دولة عربية موحّدة.
يتطرق الفصل الرابع، "التعليم"، إلى حضور القومية العربية في المناهج الدراسية العراقية التي وُضعت في الثلاثينيات، بينما يتناول الفصل الخامس، "الجيش"، كيف نشر الضباط القومية بطريقتين؛ الأولى من خلال الدعوة إلى التجنيد العسكري الشامل والثانية في دخولهم للسياسة.
ويوضّح الفصل الخامس، "انقلاب رشيد عالي"، الخلفيات الثقافية للضابط العراقي (1892 – 1965) الذي قاد ثورة سنة 1941 ضد بريطانيا، حيث أصوله التي تعود إلى المتصوّف عبد القادر الجيلاني ودراسته للحقوق وتدريبه العسكري المحترف وطموحه السياسي الكبير. أمّا الفصل السادس، "مقدّمة أيديولوجية للاستبداد"، فيدرس كيف حاول البريطانيون ــ بعد فشل ثورة رشيد العالي الكيلاني ــ تغيير المناهج وطرد المعلمين الوطنيين والعديد من المسؤولين، وهو ما ترك أثراً كبيراً في نفوس الضباط الذي سيكون لهم دور في الانقلابات العسكرية لاحقاً.