ريتشارد فاغنر.. إعادة تشكيل المشاعر الوطنية

28 مارس 2022
فاغنر واقفاً بين زوجته وموسيقيين آخرين، في عمل يعود إلى نهاية القرن 19 (Getty)
+ الخط -

في عام 1864، فرّ ريتشارد فاغنر من فيينا بسبب تراكم الديون التي كان أصحابها سيرسلونه إلى السجن بسببها، فانتقل إلى مدينة شتوتغارت مفلساً وبلا أمل بعد أن تجاوز الخمسين. لكنّ الأقدار ستحوّل تلك المأساة إلى أمجاد منتظرة، حيث تسلّم في السنة نفسها لودفيغ الثاني عرش بافاريا، وهو الملك الذي طالما افتُتن بتعصّب فاغنر للقومية الجرمانية.

معجزة أنقذت حياة المؤلّف الموسيقي الألماني (1813 – 1883)، ليُقدّم بعد تلك الحادثة سلسلةً من الحفلات الناجحة في مدن القارّة الأوروبية، تضمّنت أعماله التي كتب أغلب نصوصها وألّف ألحانها في أسلوب درامي مشبَع بطافة تعبيرية تُحاكي الحماسة التي سادت في تلك الفترة حول وحدة ألمانيا.

يُفتتح مساء الجمعة، الثامن من نيسان/ أبريل المقبل، في "المتحف التاريخي الألماني" ببرلين، معرض "ريتشارد فاغنر وتأميم الشعور"، الذي يتواصل حتى الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر المقبل، ويضيء المضامين الاجتماعية والسياسية التي عكستها مؤلّفاته.

يطرح المنظّمون مجموعة من التساؤلات، مثل: ما هي المشاعر الملموسة التي قدّمها فاغنر في موسيقاه؟ وكيف علّم جمهوره أن يشعر بـ"ألمانيّته"؟ وما هو الدور الذي لعبتْه كتاباتُه في هذا السياق؟ لكنّ محاولة الإجابات عنها لا تقتصر على فهم العلاقة بين الموسيقى، والفنّ عموماً، وبين السياسة في مرحلة مضطربة عاشتها ألمانيا في الثاني من القرن التاسع عشر، فحسب، بل تتجاوزها إلى فهم ماهية الحداثة لدى إحدى أكثر الشخصيات إشكاليةً في التاريخ الأوروبي الحديث.

آمن بالموسيقى فناً منغمساً بالواقع ويعبّر عن صراعات الإنسان

يقارن المعرض بين فاغنر الذي أراد إعادة تعريف الحداثة بشكل جذريّ، وبين مواطنه كارل ماركس الذي دعا إلى إصلاحها، ليؤسّسا اتّجاهين متضادّين؛ يميناً ويساراً، حيث قاربَ فاغنر ماضويةَ الإقطاع والتصوّرات الغيبية التي سادت عصره بالبحث عن معادل لتأثير الميثولوجيا الإغريقية، وهو ما وجده في الموسيقى كنظام رمزي يعبّر عن أفكاره التي اشترك فيها مع صديقه نيتشه.

يتضمّن المعرض مجموعة من رسائل ونصوص كتبها صاحب أوبرا "المركِب الشبح" وبرزت فيها أفكاره حول الموسيقى بوصفها فنّاً منغمساً بالواقع والتعبير عن صراعات الإنسان، مؤمناً أن تجديدها يقوم على تصويرها للحياة المادّية الألمانية بدلاً من التجريد والروحانية التي قامت عليها الموسيقى الإيطالية والأوروبية عموماً في تلك الفترة، وهذا يترافق بالضرورة مع إصلاحٍ سياسي يضع حدّاً لامتيازات النبلاء والإقطاع في ألمانيا، ويحوّلها إلى ملكية دستورية تقوم على المساواة والمواطَنة.

كما تُعرض مجموعة من الصور الفوتوغرافية لفاغنر، ونسخٌ أصلية من مقطوعاته الموسيقية التي تعبّر عن منعطفات مهمّة في تاريخ يلاده، ومنها مقطوعته "إلى الجيش الألماني" التي ألهمت بسمارك في توحيد ألمانيا وبناء مؤسّستها العسكرية، وكذلك مقتطفات من العروض والتسجلات الصوتية لحفلاته، وعددٌ من المقابلات القصيرة مع مغنّين وأوبراليّين ومنتجين عاشوا في عصره، أو أدّوا أعماله في فترة لاحقة.

المساهمون