روزانغيلا رينو: أرشيف فوتوغرافي لمضطهَدي البرازيل

20 ديسمبر 2021
"المياه الاستعمارية"، 2020 (من المعرض)
+ الخط -

في ثمانينيات القرن الماضي، عادت الفنّانة البرازيلية روزانغيلا رينو (1962) إلى الأرشيفات الخاصّة والعامّة من أجل تفكيك الرواية السائدة التي فرضتها الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم بلادها لأكثر من عقدين، في جملة من التركيبات الفنّية والفوتوغراف والأفلام ضمن محاولة لاستقصاء تأثير الزمن والعلاقة بين الذاكرة والنسيان.

خلاصة تجربتها الممتّدة لخمسة وثلاثين عاماً، يضيء عليها معرض "بيئة الصورة الصغيرة" الذي افتُتح في "متحف بيناكوتيكا للفنون البصرية" بمدينة ساو باولو البرازيلية بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ويتواصل حتى الثاني من آذار/ مارس المقبل.

اختار المنظّمون مئة وثلاثين عملاً تتنوّع محتوياتها بين مشاهد من مباريات الملاكمة وكرة القدم، والاحتفالات الدينية، والمظاهرات، والمواجهات المسلّحة بين الشرطة العسكرية والمتظاهرين في شوارع برازيليا، التي حجبتها الرقابة ما بين عامي 1987 و2021.

يفكّك المعرض رواية رسمية تحاول طمس سنوات من القمع والتعذيب

ينقسم المعرض إلى ثلاثة محاور رئيسة؛ تعتمد رينو على أرشيف عائلتها وارتباطاته بقضايا سياسية واجتماعية، من خلال التلاعب بصوَر التقطها والدها وعرضها في سلسلتين بعنوانَي "القليل من صورة البيئة" (1988) و"جسد الروح" (2003)، إلى جوار صورة من الصحف لمواطنين اختفوا أو قُتلوا على يد السلطات الدكتاتورية في البرازيل، باعتبارها شهادة موثّقة على مرحلة بأكملها، وليست مجرّد استذكار للضحايا.

تضع الفنّانة الأعمال المعروضة وفق ترتيب يتعلّق بالموضوع أو الأشخاص من أجل التركيز عليهم وليس على التسلسل الزمني للأحداث وفق الرواية الرسمية، لذلك تعرض في المحور الثاني صوراً وأفلاماً عاينت عدّة مناسبات عامّة من منظور مغاير لما قدّمته الصحافة المحلية وأجهزة الإعلام والرقابة الحكومية التي أخضعت من خلالها البرازيليين لسرديتها وخطابها حول تاريخهم.

وفي عمل بعنوان "عملية العناكب/ أرابونجاس/ أرابوكاس"، تركّب رينو ثلاث لوحات تجمع صوراً التقطها فوتوغرافيون لأبرز ثلاثة احتجاجات شهدتها البرازيل، وهي مظاهرات الطلَبة في حزيران/ يونيو عام 1968 في ريو دي جانيرو ضدّ الانقلاب العسكري الذي أطاح اﻟرﺋﻳس المنتخب ﺟواو ﻏوﻻرت، والاعتصامات التي جرت سنة 1984 ونجحت مطالبها بإجراء انتخابات رئاسية، وانتهاء بموجة الاضطرابات التي اجتاحت البرازيل احتجاجاً على زيادة رسوم النقل في عام 2013.

وتتناول في المحور الأخير تأثيرات الاستعمار للحفاظ على أنظمة التسلّط والعنف من خلال مقاربتها لمشاهدات تتعلّق بالتمييز العرقي والطبقي، في مشروعها الذي لا يزال قيد التطوير تحت عنوان "المياه الاستعمارية" (2020)، الذي يضمّ عدداً كبيراً من زجاجات العطر. وتستعرض في هذا العمل تاريخ مقاطعة كولونيا الألمانية في لحظة شهدت ازدهاراً لطرق التجارة في أوروبا منذ بدايات القرن الثامن عشر، إذ بدأت المقاطعة بتصدير العطور إلى مختلف أنحاء العالم، وكان تصنيف أنواعها وروائحها يدلّ على موقع الطبقة الاجتماعية التي تقتنيه، ومجال تفاخر بين أفرادها.

يُذكر أنّ روزانغيلا رينو حازت درجتي البكالوريوس في الهندسة المعمارية من "جامعة ميناس جيرايس" عام 1986، وفي الفنون الجميلة من "مدرسة جينيارد" سنة 1987، وحصلت على درجة الدكتوراه في الاتصال والإعلام عن أطروحة حول نيغاتيف الصوَر في أرشيف سجن "كارانديرو" في ساوباولو الذي قامت فيه أكبر عمليات التعذيب في البرازيل، قبل أن يُغلَق عام 2002 ويُحوَّل إلى متحف.

المساهمون