لطالما كان الفنان المفاهيمي وعالم الاجتماع الأرجنتيني روبرتو جاكوبي (بوينس آيرس، 1944) مرجعاً لأجيال عديدة من الفنانين في الأرجنتين، وأميركا اللاتينية منذ الستينيات. ويمكنُ فهم ذلك من خلال أعماله ومفاهيمه الفنية التي طوّرها عبر نصوص كتبها في مرحلة الثمانينات، وتحدّث فيها عن "فلسفة اللحظة"، والتي يمكن من خلالها شرح طريقته في ممارسة الفنّ.
يمكننا القول إن روبرتو جاكوبي فنانٌ يتفاعل أو يعمل أو يفكر في المشاريع الفنية كردة فعلٍ عاجلة على اللحظة. ضمن هذا المعنى، لا يمكن فصل أعماله الفنية كلّها، سواء الارتجالي منها، أو الفوتوغرافي، أو حتى الفني، عن اللحظة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لما يحدث في العالم، وفي قارة أميركا اللاتينية، ولما يحدث، بشكل خاص، في بلده الأم، الأرجنتين.
"فلنهرب إلى بوينس آيرس، فهناك لن يعثر علينا أحدٌ"، هو عنوان معرض لجاكوبي يستضيفه "متحف التشوبو" في المكسيك حتى الثامن والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث يعرض فيه أعمالاً حديثة، إضافة إلى أخرى من أرشيفه تعود إلى عام 1983.
ويستمد المعرض فكرته من تجربة أجراها جاكوبي في العاصمة الأرجنتينية عام 1988، وتقوم على أساس الترتيب المنطقي للعناصر، حيث يبرز بينها العنصر الغامض وغير المفهوم بشكل واضح. ولتوضيح هذا المفهوم، يقوم الفنان الأرجنتيني بإعادة بناء مفهوم الجسد، والاختلاف بين جسده الآن وبين ما كان عليه قبل عشرين عاماً. وفي هذا الإطار، يقترح الفنان مفهوم تحريف المدينة كي تصبح مساحة ممكنة لتجسيد الرغبة والخيال.
يحتوي المعرض أيضاً صوراً تعود إلى حقبة الثمانينات، تنتمي إلى أرشيف الفنان الخاص، الذي قام بتجميعه وبنائه منذ ذلك الحين. ولا تشمل الأعمال المشاركة ممارساته وتدخلاته الفنية فحسب، بل أيضاً مشاهد المدينة وتحوّلاتها، ونشرات الصحف، وحضور الليل، والرقص، والحفلات، والازدحام، والشباب؛ كل ذلك عبر شبكة من الصور التي التقطها الفنان، والتي تعبّر عن حقبة غنية عاشتها مدينة بوينس آيرس.
وتشارك في المعرض أيضاً أعمالٌ حديثة تعود إلى الفترة الأخيرة، يهدف من خلالها جاكوبي إلى ابتكار استراتيجياتٍ لإعادة تكوين الحالة الذهنية لمجتمع يعيش في ظل الدكتاتورية ويتسم بالخوف، ويعيش واحدة من أكثر اللحظات عنفاً في تاريخ البشرية.
يُذكر أن روبرتو خاكوبي درس علم الاجتماع في "جامعة بوينس آيرس" عام 1964. بعد رحلة إلى أوروبا اقترب فيها من فنانين مثل أنطوينو سيفي (1934- 2022)، وألبيرتو غريكو (1931 - 1965)، ترك علم الاجتماع وكرس حياته للفن. شارك في معارض بباريس ونيويورك والبندقية.