رواياتٌ أقلّ في الدخول الأدبي الفرنسي

22 يوليو 2023
خلال دورة سابقة من "معرض باريس للكتاب"
+ الخط -

منذ سنواتٍ والمشهد النشريّ في فرنسا يعرف أزماتٍ وتقلُّبات لم يسبق له أن عاشها خلال العقود الماضية: أثرياء، تُعَدّ ممتلكاتهم بالمليارات، يريدون وضع أيديهم على القسم الأكبر من السوق، التي يمتلكون بالأساس نحو نصفها؛ ومالكون جُدد، مثل الملياردير فانسان بولوريه، يُعيدون هيكلة دُورٍ أُخرى ويعيّنون على رأسها مسؤولين من أصحاب الفكري اليميني، بل اليميني المتطرّف، ما يتسبّب بهجرة القسم الأكبر من كتّابها إلى دُور أُخرى، كما جرى قبل أشهر مع دار "فايار"، التي غادرتها أسماء وازنة، ليس أقلّها الفيلسوف ألان باديو والروائية فيرجيني غريمالدي، ثاني أكثر الروائيّين مبيعاً في تاريخ فرنسا.

يُضاف إلى ذلك إغلاقُ دُور أُخرى أبوابها بسبب الإفلاس، كما يجري هذه الأيام مع منشورات "الاختلاف"، التي قدّمت إلى المشهد الأدبي، منذ السبعينيات، عدداً واسعاً من الأسماء المهمّة في الشعر والرواية، جزءٌ معتبرٌ منها جاء من العالم العربي، كالشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، والكاتب والمفكّر المغربي عبد اللطيف الخطيبي، والكاتب الجزائري محمّد ديب.

في هذا السياق المتأزّم، يأتي الدخول الأدبي لهذا العام، وهو الموسم الذي يوافق انتهاء كلّ صيف ومطلع كلّ خريف، ويشهد إصدار العدد الأكبر من الأعمال الأدبية والفكرية دفعةً واحدة، كما يشهد البدء في الإعلان عن أبرز الجوائز الأدبية في البلد واحدةً بعد الأُخرى.

وقد وصفت مجلّة "دورية الكتاب" المتخصّصة، في عددها الصادر قبل أيام، بأنّ موسم هذا العام سيكون الأضعف، منذ أكثر من قرن، على مستوى أعداد العناوين الجديدة، ولا سيّما الروايات، التي لن يُطبَع منها إلّا 466 عنواناً جديداً، في حين تجاوَز عددُ الجديدة منها سبعمئة عام 2010. وإذا كان عام 2010 قد سجّل الرقم الأكبر في المبيعات، فإنّ العام الجاري، 2023، سيشابه ما كانت تعرفه فرنسا مطلع القرن الماضي على مستوى العناوين الجديدة، والتي تأتي الروايات الفرنسية في مقدّمتها، وستبدأ بالظهور في المكتبات الفرنسية بدءاً من منتصف آب/ أغسطس المقبل، حيث سيُطبَع منها 321 عنواناً، من بينها 74 رواية هي الأُولى لأصحابها، في حين سيُقدّم الناشرون 145 روايةً مترجَمة للمرّة الأُولى.

بسبب قلّة تكاليفه، يبقى كتاب الجيب أقلّ الخاسرين في أزمة النشر

وليس التراجُع في طباعة الروايات الجديدة إلّا صورة مصغّرة عن حال الكتاب في فرنسا، التي طُبع فيها، خلال العام الماضي، نحو 39 ألف كتاب جديد في مختلف حقول الكتابة، في حين باع ناشرو البلد ومكتبيّوه عدداً من نسخ الكتب قد يبدو هائلاً في سياقنا العربي، لكنّه يبقى في تراجُع بالنسبة إلى السوق الفرنسية، حيث بيع العام الماضي ما يقارب 448 مليون نسخة كتاب جديد وقديم، في انخفاض بنسبة تفوق 7 بالمئة عن عام 2021 التي بيع خلالها أكثر من 486 مليون نسخة كتاب، بحسب أرقام "النقابة الوطنية للنشر" في باريس.

وتضع النقابة، في تقريرها الذي أصدرته هذا العام حول وضع النشر في البلد بين 2022 و2023، هذا الوضع في "سياق انخفاض القدرة الشرائية لدى القرّاء، وارتفاع تكاليف الورق وأسعار الطاقة"، بعد نحو عام ونصف من بدء روسيا حربها على أوكرانيا، وأكثر من عامَين من خروج البلد، ومجمل المعمورة، من أزمة اقتصادية حادّة تسبّبت بها جائحة كورونا... وهو ما قاد، كما يشير التقرير، إلى انخفاض المبيعات في بعض الحقول النشرية المكلفة (مثل الكتب الفنّية وكتب الأطفال، التي تَستخدم ورقاً سميكاً وصوراً)، ومقاوَمة حقول أُخرى أقلّ تكلفة، مثل كتاب الجيب، أقلّ الخاسرين في هذه الأزمة.

 
المساهمون