"رفقاء عمْر" لرباب نمر ومصطفى عبد المعطي: في التعرّف إلى عائلة فنية

14 فبراير 2023
أمام لوحات مصطفى عبد المعطي، من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

يدخل المُشاهد عالمَين متجاورَين في بيتٍ مصري، وتخطفه الدهشة أولاً من غزارة التنوّع وتجريبيّته واختلافه على مدار ستين عاماً وأكثر، وثانياً لأن أحدهما لم تكن له سطوةٌ على الآخر، بل اعتراف متبادل بموهبتَين متفجّرتين.

لهذا نتعرّف إلى عائلة تضمّ اثنين من أبرز مَن أنجبتهم الحركة التشكيلية في مصر منذ منتصف القرن الماضي، مصطفى عبد المعطي (1938)، ورباب نمر (1939)، وهما هنا في معرض مشترك بعنوان "رفقاء عُمْر"، افتُتح في "غاليري المرخية" بالدوحة مساء الثلاثاء الماضي.

يُضفي المعرض مسحة من عاطفة اجتماعية يستأذن فيها الزوج وزوجته بالاحتفاء برفقة متضامنة "في دروب الفن الوعرة"، كما يعبّر الرجل، وقد فاجأته الزوجة بكنز من الاسكتشات السريعة التي خطّها منذ ستة عقود، واحتفظت بها.

يدخل المتلقي إلى عالمَين متجاورَين في بيتٍ مصري

جاء المعرض المقام بمقر المرخية في "مطافئ: مقرّ الفنانين"، حتى السادس عشر من آذار/ مارس المقبل، بالتعاون مع "غاليري الزمالك" في القاهرة الذي أقام النسخة الأُولى بالاسم ذاته عام 2021. والمعرض الحالي في الدوحة اختار تقديم إطلالة تاريخية وأسلوبية لمسيرة هامّة للفنانَين، في إحدى وثلاثين لوحة، ستّ عشرة منها لمصطفى عبد المعطي وخمس عشرة لرباب نمر، كما يخبر أنس قطيط، المنسِّق الفني والإعلامي للغاليري.


حالة انتظار

في إحدى صالتَي العرض تتقابل أعمال الفنانَين، منذ عقد الثمانينيات، حيث يُبدي الفنان العراقي سالم مذكور انطباعاً فورياً بالفارق التعبيري الذي تطرحه الأعمال، بين الألوان المحايدة عند رباب نمر والمباشرة عند مصطفى عبد المعطي.

يقول مذكور: "إن شخصيات رباب في حالة انتظار وهي مختزَلة ورمادية، وحين نعاين لوحات الحِبر الفاتنة نعثر على كائنات غريبة مرسومة بدقّة لا يُؤتاها إلا الصابرون، والقادرون على التوحّد في ذاتهم حتى لو كانوا بين جَمع من الناس".

الصورة
من أعمال رباب نمر - القسم الثقافي
(من أعمال رباب نمر في المعرض)

أما حين يلتفت إلى أعمال مصطفى عبد المعطي، فيرى فيها انعكاساً لفنان غارق في التجريبية الهندسية عبر القماش والأكريليك، مُستخدماً الانفعال المباشر الذي يظهر بوضوح في اللغة البصرية، وكلاهما معاً كأنهما الفرزدق يقدّ من صخر، وجرير يغرِف من بحر. لا ننسى أن الشعر أيضاً تشكيل، كما قال.

يتناول مشاهدو المعرض نُسخاً من ثلاثة كتب ضخمة مزوّدة بِصُور اللوحات انضمّت إلى مكتبة الغاليري، إضافة إلى عرض فيديو. وفي الكتب التي صدر أولها عام 2018 كتاب "رباب نمر"، والاثنان الآخران في عام 2021، يتناول الأول "عالم الصمت" من السبعينيات وحتى عام 2005، بينما الثاني بعنوان "فضائيات" يخصّ الفترة من 2005 حتى 2021. "إن لرباب نمر عالماً خاصاً وهي لا تدَع أحداً يغزو عالمها"، هذا ما يقوله الناقد الإيطالي كارميني سينسكالكو.

تمتازُ ألوان رباب بأنها محايدة أما عبد المعطي فمباشرة

وما خلص إليه سينسكالكو هو ما تمنحه الفنانة، سواء أرسمت بالزيت على الخشب أو بأقلام الرابيدو للتحبير بأرفع الأسنّة على الورق. إنها وهي المصاحبة لنبتات الصبار ترسم بشوكة بحراً من النقاط وصحراء من الرمال وندفاً من الثلج، كل واحدة لا تشبه الأُخرى إلا في عين غير مثقّفة. وهي ذاتها التي تملاً اللوحات بوجوه متشابهة عن عمَد حتى تغيب بطاقات الهوية، وتبدو مصائر الناس واحدةً كأنهم توائم مطبوعة بالكفّ على جدار.

ناس كثُر رآهم الفنان والناقد المصري حسين بيكار (1913 - 2002)، فقال "إن رؤية توأمين أو ثلاثة أو أربعة وحتى خمسة لا تمثّل أمراً غريباً بالنسبة لنا، ولكنْ رؤية مئات التوائم التي تنجبهم امرأة واحدة، من المؤكّد أنه أمر لم نسمع به، ولم نره إلا في لوحات رباب نمر (...) إنهم دون أفواه وشفاه متلاصقين في مساحة خانقة وفي الوقت نفسِه يجب عليهم التلاؤم مع كثافة المضمون".


توظيف هندسي

في الجولة التي يُتيحها المعرض نقف أمام تطوير مصطفى عبد المعطي "أسلوباً متفرّداً يقوم على توظيف الأشكال الهندسية فاتحاً بها آفاق الوصل بين الماضي والحاضر، ونجد أن ثمة خيطاً متصلاً يربط شخصية عبد المعطي الإبداعية منذ البداية، وهو انحيازه التام للتجريب"، كما يورد كُتيّب المعرض.

الصورة
من أعمال عبد المعطي - القسم الثقافي
(من أعمال مصطفى عبد المعطي في المعرض)

يظهر هذا باختلاف الطرح البصري في أعماله خلال فترة الستينيات التي اتَّسمت بمعالجته لمختلف الموضوعات، ومن بينها "السد العالي"، و"الإنسان في الحقل"، و"سقوط عصفور في الفخ"، عن الأعمال التي تبلورت في المرحلة اللاحقة، والتي خرجت نتاج تأثّر الفنان بحدثِ نزول الإنسان على سطح القمر، وخروجه من حيِّز الأرض إلى فضاء جديد.

ومن وجهة نظر الفنان والناقد مصطفى الرزاز مستشار "مكتبة الإسكندرية" للفنون التشكيلية، فإن عوالم عبد المعطي "ترتبط بتجربة الوعي السينوغرافي. إذ محصلة إبداعاته النهائية تشبه النتاج النهائي للعمل الفيلمي المصوّر. وكلاهما يشترك في أن مفرداته تجميعٌ لعناصر متواضعة، وتركيز على إعمال الفكر والوعي والخيال والحلم والمنطق والمهارة، لتحقيق ترجمة تعبيرية بالغة الإقناع".

الصورة
من أعمال مصطفى عبد المعطي - القسم الثقافي
(من أعمال مصطفى عبد المعطي في المعرض)

كِلا الفنانَين حصَلا على الدكتوراه من "أكاديمية سان فرناندو" في مدريد، وشاركا في معارض جماعية منذ كانا يدرسان الفن في كلية الفنون الجميلة بـ"جامعة الإسكندرية" في الخمسينيات، لا يفصل بينهما في الدراسة سوى عامٍ واحد، وكان مصطفى عبد المعطي واحداً من خمسين طالباً ضمن أولى دفعات الفنون الجميلة في الإسكندرية.

منذ هذه الفترة حتى اليوم كان الفنان والفنانة مشاركَين في معارضَ فردية وجماعية يصعب حصرُها داخل البلاد وخارجها. وما فرصةُ معرض "رفقاء عُمْر" إلا تحيّة لهذه الشراكة. 

أما كلّ تجربة على حدة فقد جال فيها نقّاد كُثر بسبب طولها وتحوّلاتها، خصوصاً لدى مصطفى عبد المعطي الذي لم يكن يتجاوز العشرين عاماً حين كان عضواً مؤسساً لـ"جماعة التجريبيِّين" عام 1958، مع الفنانَين محمود عبد الله وسعيد العدوي، ولدى رباب نمر التي ترسم كأنها في خلوة صوفية.

المساهمون