يقرأ الباحث الجزائري رشيد ولد بوسيافة في كتابه "جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي 1952 ـ 1962" الذي صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، نموذج الجزائر في مسار حركات التحرّر المغاربي وعلاقته بالمشرق العربي.
ويرى أن "جامعة الدول العربية" أعادت ربط جناحي الوطن العربي الشرق والغرب، إذ كانت قضايا التحرر في مغربه مجهولة في المشرق إلى حين تأسيس الجامعة عام 1945، وتلاها إنشاء "مكتب المغرب العربي" سنة 1947، الذي أعلن في جلسته الأولى بطلان معاهدة الحماية المفروضة على تونس ومراكش وعدم الاعتراف بأي حق لفرنسا في الجزائر، وطالب الحكومات المغاربية والهيئات الوطنية بإعلان استقلال البلاد، وجلاء الاستعمار، ورفض الانضمام للاتحاد الفرنسي بأي شكل من الأشكال.
نالت حركات التّحرر في المغرب العربي القسط الأكبر من اهتمام الهيئة النّاشئة
كما يشير بوسيافة في تقديمه إلى أنه على الرغم من أن فكرة العمل العربي المشترك كانت بريطانية في الأصل، عندما دعا وزير الخارجية البريطاني، أنتوني إيدن، إلى إقامة كيان يوحّد العرب، ويعزّز الروابط الاقتصادية والثقافية بينهم، إلا أن الآباء المؤسسين لجامعة الدول العربية جعلوا منها منبرًا لمناصرة قضايا التّحرر في العالم العربي، ودعمِ الأصوات الداعية إلى التخلص من ربقة الاستعمار".
ويوضّح أن حركات التّحرر في المغرب العربي نالت القسط الأكبر من اهتمام الهيئة النّاشئة بقيادة المجاهد عبد الرحمن عزام باشا. هذا المسار الطويل كلّه موثّق بدقّة في التقارير الدّورية للأمانة العامة، وفي باقي وثائق جامعة الدول العربية من قرارات ولوائح ومناشير ورسائل وبيانات ومضابط الجلسات، وهو ما ركّز عليه هذا الكتاب الذي اهتم بدور جامعة الدول العربية في دعم حركات التحرر في أقطار المغرب.
ويفنّد بو سيافة الآراء التي تذهب إلى القول إن الجامعة لم تكن يوما شريكة للثورة الجزائرية ليكون ما قاله المجاهد آيت أحمد أحسن رد عليهم، معتبرا أن اهتمامها بالقضية الجزائرية كان مختلفا عن تونس والمغرب لاختلاف طبيعة الاستعمار في هذه الدول الثلاث؛ ففي الجزائر كان استعماراً استيطانياً، وكانت توليها اهتماماً كبيراً في تقاريرها وتقدمها على القضية الفلسطينية أحياناً، كما عملت على تدويل قضايا التحرر في المغرب العربي.
وانصبّ اهتمام الدراسة على تقارير الأمين العام بوصفها مصدر المعلومة الأساسي، حيث خلصت إلى أن الجامعة هي أول كيان سياسي يجمع العرب تحت لوائه في السابق كانت تختلف كثيراً عن الصورة التي هي عليها اليوم، حيث غاصت في الصراعات العربية، وقد تبين له الاختلاف الكبير بين موقف الجامعة في السابق وموقف الدولة المصرية، فقد كانت الأولى دفعا للوحدة العربية ولا تنصر أي طرف على حساب آخر.