أنتِ، الآن، في تغطية أخيرة. تنقُلين اسمكِ من تقرير اللحظة إلى تقرير الأبد. عيناك كاميرا العابرين خِفافاً إلى موتهم الثقيل. كأنّ الصورة لم تعُد تكفي لتوثيق جملتها، لذا استعانت بجسدكِ صُورةً لها. صُورةُ الصُورةِ أنتِ. صمتُكِ أبيض في شريط الدم، صمتكِ مثل لون الكتابة في شاشة قناتكِ التي أُصيبَت في خبرها، مثلما أصابت بكِ.
احملي خُوذتكِ إلى ضمير الرصاص؛ وسُترتكِ الزرقاء إلى مستقبل الإصابات العدوّة. هذا الأمان مجاز من تدابير يكسرها الجنود المُدرَّبون على المباشرة. والسلاح مثل كرامة اللّسان، وشرف الخريطة المعذَّبة، صار خطراً أعزلَ على خطرٍ مدجّجٍ بالموت العصريّ في عصرٍ ميّت.
يا شيرين. سقطتْ ياءٌ من اسم فلسطين، وعوّضتْها ياءٌ منكِ، جَنينكِ باقٍ في جِنين، وآهِ كم ولدتكِ القدس عاصمةً للحقيقة الطَوّافةِ في أكنافها. فاعبري من مقام التقطيع في اللغة إلى مقام القَطع بالولادة.
حقّقي في الحقيقة المُحاطَة بالعمى. أحقّاً يفكّر هذا العالم في غموض الجريمة الواضحة؟ أحقّاً يصقلون صوتكِ بالخناجر العربيّة في الهوى والغريبةِ في الهواية؟ أحقّاً كنت تصوّبينَ شهادتكِ العزلاء باتجاه القتلة؟
اذهبي إلى المعركة، لا تذهبي إلى المعركة، اذهبي مدّرعةً بالاحتمالات الخطأ. ولا تذهبي إلاّ لتصحيح الألم في إحصائها. لقد توّجتكِ مسيرة الدموع الحكّاءة التي حَجّرتها العذابات الصامتة، اذرُفينا من العين الكبيرة. اخرُجي من اختناق الغاز، وحصار الغبار، ودُربة الدبابات... واسلَمي لنا. اسلمي على طريقة الناجين المؤجّلين، ثمّ ارصُدي يوماً للهَول وللكمال.
فبأيّ مقولاتِ دمنا الفائض تُكذّبان؟ وبأيّ تراجيديا صحافية يقدّم قلبُ الحقيقة تقريره أمام عقلِ الكلمة؟ أنتِ عاقلة، والمجرمون لا يَعْقِلون. عقّلي هذا الموت يا سليلةَ موتنا المبثوث حيّاً على الهواء.
أودعي رحمتكِ في المساجد كلّها، وبين كنيستين. هنا مهدكِ هدية الله إلى أرضه الكريمة، وهناك قيامتكِ القريبة من تحرير كرامتها بكلّ ما تكتحلُ به عينكِ وعينها.
* شاعر من فلسطين