في مطلع 2019، كان الكاتبُ اليمني وليد أحمد دمّاج في زيارةٍ إلى القاهرة للمشاركة في معرضها الدولي للكتاب، حيث وقّع روايتَه "أبو صهيب العزّي"، التي كانت قد صدَرت حديثاً. حينها، عبّر في لقاءٍ مع "العربي الجديد" عن ابتهاجه بتلك الزيارة "اللذيذة"، قبل أن يستطرد: "يَخصم من بهجتي هنا حين أعود للتفكير في الوضع المُزري الذي يعيشه وطني اليمن". لكنّه لم يلبث أن أضاف: "بين فينة وأُخرى، تُزاولني رغبة جامحة ومجنونة في العودة إليه والالتصاق بمأساته من جديد".
وبالفعل، عاد الكاتبُ اليمنيُّ إلى وطنه، وظلَّ ملتصقاً بمأساته الحديثة، كما بتاريخه وأساطيره اللذين شكّلا مادّةً لأعماله الروائية، حتى رحيله، صباح اليوم، في مدينة عدن، جنوب البلاد، إثْر أزمةٍ قلبية.
في روايته الرابعة تلك، عالج دماج (1973 - 2022) مسألةَ الصراع والتبايُن الفكري والمذهبي بين الطوائف في اليمن الحديث؛ وهو موضوعٌ حضر في روايته "وقش: هجرة الشمس" (2019) التي تدور أحداثها بين مطلع القرن الخامس والعقد الثاني مِن القرن السابع الهجريين، حيث تناوَل صعود الطائفة "المطرفية"، وهي فرقةٌ زيدية ظهرت شمال البلاد، والصراع السياسي الذي انتهى بإبادتها من قبل الإمام عبد الله بن حمزة.
هذه العوالم لم تكُن بعيدةً عن روايته الأُولى "ظلال الجفر" (2013)، التي نبشت في التاريخ الإسلامي المبكر والأساطير المتعلّقة به، من خلال قصّة بطلها الذي يبحث عن كتاب "الجفر" المنسوب لعلي بن أبي طالب. أمّا روايتُه الثانية، "هُم" (2015)، فكانت مختلفةً عن سابقتِها ولاحقتَيها، على مستويَي الشكل والمضمون، إذْ كانَ بطلُها - الذي لا يحمل اسماً كغيره من شخصيات الرواية - مجنوناً تُطارده قوى خفيّة، ضمن عوالم تتراوح بين الوعي والهذيان.
في اللقاء نفسه مع "العربي الجديد"، تحدّث أحمد وليد دماج، الذي وُلد في محافظة إب على بُعد 198 كم عن صنعاء، ودرس المحاسبة في "جامعة صنعاء"، عن قرب صدور روايته الخامسة، والتي قال إنّ أحداثها تدور في "أهم منعطف من التاريخ اليمني الوسيط في القرن الثالث الهجري". عملٌ لم يرَ النورَ بعد، كأشياء كثيرة أُخرى.
حين سألته "العربي الجديد" عن التغيير الذي ينتظره أو يريده في العالم، أجاب: "أريد للعالم فقط أن يصبح أكثر عدلاً، لأنه في وضعه الحالي شرس جداً وأناني، ولهذا السبب هو يتداعى. أتمنى أن يكفّ البشر عن كره بعضهم بعضاً، وأن يسود الوئام هذا العالم. أدرك أيضاً أنها أمنية بعيدة عن التحقق، لكنّها تظلّ محلّ توق أبدي".