عندما وُلد التشكيلي السوري ممدوح قشلان، في دمشق، عام 1929، كانت العاصمة السورية تعيش تحوُّلاً في العلاقة بالفن، حيث شهدت جامعتُها في ذلك العام أوّل معرض تُقَدّم فيه لوحات لفنانين، مثل ميشيل كرشه وتوفيق طارق، بعد أن كان الرسّامون الأوائل يعرضون أعمالهم في محلات ودكاكين يستخدمونها كمشغل وورش للعمل.
ولن يتأخّر قشلان كثيراً بالالتحاق بجيل الروّاد هذا، حيث دخل عالم الرسم وهو في سنيّ المراهقة، وهو عالمٌ لن يغادره حتى لحظة رحيله، يوم الإثنين الماضي، التاسع والعشرين من آب/ أغسطس، عن 93 عاماً.
رحل الفنان في دمشق التي غادرها أوّل مرّة عام 1953، حيث كان واحداً من أوّل دفعة طلّاب فنون أوفدتها وزارة المعارف (التعليم) للدراسة في "أكاديمية الفنون الجميلة" في روما، وهناك درس الحفر وفن الغرافيك قبل أن يعود إلى بلاده عام 1957.
وظلّ قشلان وفيّاً، في أسلوبه وموضوعاته، لفنّاني الجيل الأوّل في سورية، حيث رسم طيلة عقود مشاهد من الحياة اليومية، بل الشعبية، المدينية منها والريفية، مثل حلقات الذكر والموالد والدراويش، ومثل موسم الحصاد والدبكة في الأعراس.
كما شكّلت دمشق وأحياؤها موضوعاً أثيراً لدى الفنان الراحل، الذي صرّح أكثر من مرّة بإحساسه بالمسؤولية تجاه المدينة وعمارتها وتراثها، وبأن رسوماته المتكرّرة لها هي رغبة في حفظ حاضرها هذا، أو في إعطاء صورة عنه للأجيال المقبلة التي قد لا تعرفه.
لم يكن ممدوح قشلان شاهداً فقط على القسم الأكبر (سبعة عقود) من تاريخ الفنّ السوري، وعلى تطوّره بين البدايات واليوم، بل شارك أيضاً في صناعة هذا التاريخ، إن كان من خلال التدريس في سورية ومصر، أو من خلال المشاركة في تأسيس "نقابة الفنون الجميلة" (1969) في سورية، وكذلك "اتحاد الفنانين التشكيليين العرب" (1971).
ظلّ الفنان الراحل يرسم ويشارك، حتى أيامه الأخيرة، صوراً للوحاته الجديدة على حسابه في فيسبوك، وكانت آخر أعمال أنجزها وفيّة لمساره: دراويش يرقصون، ومناظر لأحياء دمشقية لا تشبه ــ في اللوحة ــ ما هي عليه هذه الأحياء اليوم، بل ما كانت عليه في صبا قشلان.