"الأكثر تحرُّراً بين المجريّين". بهذه العبارة عنونت المجلّة الإلكترونية المجرية، "444"، خبرها حول رحيل المفكّر والناشط اليساري المجري ـ الروماني غاشبار ميكلوش تاماش، الذي غارد عالَمَنا يوم الأحد الماضي عن 74 عاماً.
وليس توصيف المجلّة بالغريب على شخصية ومسار ميكلوش تاماش، الذي كان يُعَدّ من أكثر المثقّفين في المجر وكذلك رومانيا شهرةً، ومن أكثر المثقّفين الذين يرتبط اسمُهم بالتوجّهات اليسارية وبالدفاع عن حقوق المهمّشين والعمّال وغيرهم ممّن يرزحون تحت نير الحكومات الليبرالية، في وسط أوروبا وخارجها.
وُلد المفكّر الراحل عام 1948 في مدينة كلوج نابوكا في إقليم ترانسيلفانيا وسط رومانيا، لعائلة من الأقلّية المجريّة الموجودة في البلاد، قبل أن ينتقل للعيش والعمل في بودابست وهو في الثلاثين من العمر.
وارتبط اسمُ ميكلوش تاماش بمختلف النضالات التي شهدتها المجر منذ مطلع الثمانينيات وحتى اليوم، حيث عارض حُكم الحزب الواحد، "حزب العمل المجري"، وشارك عام 1988 في تأسيس "تحالف الديمقراطيين الأحرار". وستَعرف تجربته "وداعاً لليسار" (وهو عنوان واحدة من دراساته) لعدّة سنوات، خصوصاً بعد دخوله عالَم السياسة كنائب عن "تحالف الديمقراطيين".
لكنّ الراحل سيتراجع عن موقفه هذا في نهاية التسعينيات، ليستعيد نظرته اليسارية برؤية أكثر راديكالية وانتقاداً للليبرالية الصاعدة في أوروبا الوسطى والشرقية، وينشر، خلال هذه الفترة، عدداً من أبرز كتبه ومقالاته، مثل كتابه "المفاهيمَ القَبَلية" (1999، وقد جاء في نحو 1300 صفحة)، أو كتابه "الحالة: نصّ ساخِر" (2002).
إلى جانب تأليفه بالمجرية، وضع تاماش أعمالاً بالفرنسية والألمانية والإنكليزية، وهي لغاتٌ كان يتقنها وينشر في دوريّاتها الفكرية بين حين وآخَر، مشاركاً حتى في النقاشات الداخلية في بلد ماركس وفي بلد فولتير.
خلال عقود من الزمن، بقي غاشبار ميكلوش تاماش من أبرز الماركسيّين والمشتغلين في النظرية الماركسية بأوروبا الوسطى، وتمثّل ذلك بإيمانه بمقولات ماركس تطبيقاً عملياً وتحليلاً نظرياً، حيث قدّم قراءات في المجتمع المجري والأوروبي بشكل عام انطلاقاً من مفاهيم الصراع الطبقي.
كما دافع عن إعادة قراءة ماركس قراءةً جديدة تُناسب اللحظة الراهنة وتترك جانباً النظرة الماركسية الأرثوذكسية، وهو ما سيُطلق عليه النقّاد تسمية "الماركسية الجديدة المجرية"؛ تيّارٌ كان الراحل من أبرز وجوهه.