الانتقال من الاحتكاك بالقانون - بحكم المهنة - إلى التفكير والتنظير فيه، ثم توسيع دائرة الانشغال الفكري إلى ما هو سياسي فتاريخي؛ هكذا يمكن إيجاز المحطّات والدوائر التي انتقل بينها رجل القانون والمؤرّخ والمفكر السياسي المصري طارق البشري الذي رحل عن عالمنا صباح أمس.
ولد البشري عام 1933 في القاهرة في أسرة تقلّد الكثير من أعضائها مناصب قضائية دينية، فكان جدّه سليم البشري، شيخ المالكية في الأزهر، وكان والده عبد الفتاح البشري قاضياً، ولعلّ ذلك ما دفعه إلى دراسة القانون ومن خلاله سيشغل عدّة مناصب في الدولة مثل رئيس "الجمعية العمومية للفتوى والتشريع"، والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة، ورئيس لجنة التعديلات الدستورية في أعقاب "ثورة 25 يناير".
كانت هزيمة 1967 سبباً في انخراط البشري فكرياً في الشأن العام بشكل أوسع، وكانت أولى كتاباته مقالة بعنوان "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي" ستكون القضايا المطروحة فيها أفقاً ملازماً لبقية كتابات رجل القانون المصري.
بفضل كتابه "الحركة السياسية في مصر (1945 - 1952)" الذي صدر في 1972، بدأ القرّاء ينتبهون إلى فرادة أطروحات البشري، وفيها جمع بين الفهم العميق للطرق القانونية للحياة السياسية، ومعرفة بتفاصيل أحداث هذه الأخيرة، ناهيك عن تشبّه بالتاريخ بشقّيه التراثي والمعاصر.
ضمن نفس الفئة من المؤلفات ذات النزعة التاريخية السياسية، يمكن أن نعدّ: "الديمقراطية والناصرية" (1975)، و"سعد زغلول يفاوض الاستعمار: دراسة في المفاوضات المصرية - البريطانية" (1977)، و"شخصيات تاريخية" (1996).
لكن البشري تصدّى أيضاً في مؤلفاته إلى إشكاليات راهنة، وهو ما نجده في كتاب "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية" (1981) ، و"بين الإسلام والعروبة" الذي صدر في جزأين.
وله أيضاً مجموعة مؤلفات تحت عنوان جامع؛ "في المسألة الإسلامية المعاصرة " بدأ في إصدرها عام 1996 بـ "ماهية المعاصرة"، تلاها "الحوار الإسلامي العلماني"، و"الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر"، و"الوضع القانوني المعاصر بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي".