يُعَدّ الكاتب والباحث السوري شمس الدين الكيلاني (1944 – 2023)، الذي رحل عن عالمنا فجر اليوم الخميس في الدوحة بعد صراع مع المرض، أحد أبرز الدارسين لتاريخ بلاده خلال القرنين العشرين وبدايات الألفية الجديدة، وعلاقة العرب بالثقافات الأخرى عبر التاريخ.
عمل الراحل باحثاً في وحدة الدراسات السورية في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" خلال السنوات الأخيرة، قدّم خلالها مجموعة من الدراسات السياسية والثقافية التي أضاءت على التحولات السياسية والاجتماعية التي قادت إلى الثورة السورية.
وُلد الراحل في مدينة جسر الشغور بالقرب من إدلب، ودرس في كلّية الآداب والعلوم الإنسانية بـ"جامعة دمشق"، وكان أحد المخرطين في النشاط السياسي المعارض للنظام، حيث اعتُقل لأكثر من عشر سنوات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
كان الراحل أحد أبرز الدارسين لتاريخ بلاده المعاصر، وعلاقة العرب بالثقافات الأخرى عبر التاريخ
في كتابه "مدخل في الحياة السياسية السورية: من تأسيس الكيان إلى الثورة"، الذي صدر عن "المركز العربي" عام 2018، قرأ الكيلاني إشكاليتين أساسيتين تتمثلان في الاندماج أو التفكك الوطني في حياة السوريين، والحياة الدستورية ومدى نفوذها في التاريخ السوري بطريقة تجعل منها أرضية صالحة للبناء عليها. وهو كتابٌ يوثّق فيه ذاكرة السوريين وتقاليدهم الديمقراطية التي تؤهلهم للعبور إلى الديمقراطية كنظام سياسي.
كما ألّف كتاباً مشتركاً مع الباحث السوري محمد جمال باروت بعنوان "القدس في الجغرافية الروحية الإسلامية" (2010)، استند في تحليله لمكانة المدينة إلى مقاربات ومداخل منهجية متعدّدة، ترى القدس بُعداً من أبعاد المدنيّ الدنيويّ، وتنظر إلى تفاعل مدوناته مع أشكال السلوك والنظم الأنثروبولوجية والرمزية والطقسية الإسلامية المختلفة التي مثّلت قيَماً مضافة، وتغلغلت في اللاشعور الجمعي الإسلامي.
وأصدر الكيلاني عن "المركز العربي" كتابَ "تحوّلات في مواقف النّخب السوريّة من لبنان: 1920 - 2011" (2012)، الذي تناول فيه الاتّجاهات السياسيّة السوريّة منذ الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان حتّى بداية الانتفاضة السوريّة وكذلك الأحداث السياسيّة الحاسمة بين هذين التاريخين، ومواقف النّخب السوريّة، السياسيّة والفكريّة معاً، من لبنان، وذلك في سياق التحوّلات في المجال السّياسي السوري طوال نحو تسعين سنة؛ وكتابَ "مفكرون عرب معاصرون: قراءة في تجربة بناء الدولة وحقوق الإنسان" (2016) الذي سعى فيه إلى الإجابة على تساؤل حول ما إذا كان الإسلام والأفكار المتداولة للمسلمين عنه قد شكّلت عقبة أمام دمقرطة الدولة العربية وأمام تقدم حقوق الإنسان في البلدان العربية.
ترك الراحل العديد من المؤلّفات الأُخرى، منها: "الإسلام وأوروبا المسيحية من القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن السادس عشر: الحرب والسياسة"، و"العَود الأبدي"، و"الشيخ محمد عبده"، و"صورة أوروبا عند العرب في العصر الوسيط"، و"صورة الشعوب السوداء في الثقافة العربية"، و"صورة شعوب الشرق الأقصى في الثقافة العربية"، إلى جانب العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في الدوريات الصادرة عن "المركز العربي".