في روايته "قلب ناصع البياض" التي صدرت عام 1992 كتب الروائي الإسباني خافيير مارياس، الذي رحل مساء أمس عن عُمر يناهز السبعين عاماً، عن محاولة الإنسان في حياتنا المعاصرة، أن يثبتَ كينونته، في ظلّ واقع يفتقر شيئاً فشيئاً لكلّ عناصر الإنسانية وإن كانت بسيطة.
على مشارف نهاية الألفية قدّم الكاتب عملَه الأشهر مستوحياً عنوانه من مقطعٍ لشكسبير حول ثنائية النقاء والخيانة، في نبرة لا تخلو من استلهام كلاسيكي وذلك في سبيل قراءةِ عصر متسارع، ورغم أنّ العمل فيه مسحة بوليسية وينطلق من حدث خصوصي في حياة البطل المترجِم (وهي إحدى المهن التي يعمل بها الروائي) إلّا أنّ مارياس استنطقَ سردياً جملة معانٍ برواية وُصفت بأنّها "رواية أفكار ومراجعة مع الذات والأنساق السردية والروائية المتداخلة".
وُلدَ مارياس عام 1951 في مدريد لأب وأمّ كاتبَين، ومن المعارضين لحُكم الجنرال فرانكو الديكتاتوري، إلّا أنّه تمكّن من متابعة تعليمه بين إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية التي قضى جزءاً من حياته فيها.
أمّا أولى كتاباته فصدّرها بمجموعة قصصية، كتبها قبل أن يتمّ العشرين من عمره، حملت عنوان "حياة وموت مارسيلينو إيتورياغا". وقبل أن يبرز اسمه في عالم الرواية بدأ بترجمة الأعمال الأدبية العالمية عن الإنكليزية، ومن هُنا جاء انفتاحُه على نابوكوف وشكسبير وكونراد وفوكنر وغيرهم من الأسماء التي اشتغل عليها وتأثّر بها، قبل أن يخلق أسلوبه الروائي الخاص، وإن ظلّ بعض أبطال رواياته يمتهنون الترجمة.
عام 1986 أصدر روايته "الرجل العاطفي" وفيها بدا أنّ لديه ما يقوله؛ جديدٌ وصارم وفيه مقدار من الموقف الإنساني حيال أزمات العالم، وهذا ما حدث لاحقاً مع روايات أُخرى مثل "ظَهر الزمن"، و"عندما رأيتُ ميتاً"، و"رغبات ماضية"، الأمر الذي جعل هذه الأعمال تُعاد طباعتُها وتُترجم لأكثر من خمس وعشرين لغة، وبهذا أصبح مرشح إسبانيا لنيل "جائزة نوبل" منذ عام 1989.
حصدت إنتاجاتُه جوائز أدبية مختلفة، ورأت بعض أعماله النورَ عربياً، ولا سيّما عمله الأشهر "قلب ناصع البياض" بتوقيع المترجم طلعت شاهين عن "الهيئة المصرية للكتاب" (2014)، و"وقت للعبث" بتوقيع المترجم علي الأشقر عن "دار الحوار"، و"غراميات" التي ترجمها صالح علماني.