استمع إلى الملخص
- **ارتباطه بسعيد تقي الدين**: كرّس جهوده لتتبع أثر الأديب سعيد تقي الدين، وأصدر 14 كتاباً عنه، من أبرزها "بدايات سعيد تقي الدين" و"أدب سعيد تقي الدين".
- **أعماله حول أعلام النهضة**: تناول فكر أعلام النهضة مثل بطرس البستاني وعبد الرحمن الكواكبي، وحقق أعمالاً مجهولة لهم، ومن أبرز كتبه "عقيدة جبران" و"لكم جبرانكم ولي جبراني".
في أواخر نيسان/ إبريل الماضي كان من المفترض أن يُشارك الباحث اللبناني جان داية في محاضرة نُظّمت ببيروت تحت عنوان "جان داية وتراث سعيد تقي الدين"، للإضاءة على مسيرته البحثية في استكمال مشروع الأديب البعقليني (1904 - 1960)، ولكنّ حالته الصحّية لم تُسعفه فتعذّر حضورُه اللقاء، وبعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ، رحل الباحث، صباح أمس السبت، بعد معاناة مع المرض عن عُمر يُناهز الثمانية والثمانين عاماً.
وُلد جان داية في بلدة أنطلياس في جبل لبنان عام 1936، حيث قضى طفولته بينها وبين حيّ المصيطبة في بيروت، قبل أن يعود إلى ضيعته ويستقرّ فيها. وصحيحٌ أنّ صاحب "سعيد فخر الدين: شهيد الاستقلال الوحيد" لم يحُز شهادة جامعية، إلّا أنّه امتلك مقوّمات الباحث الأكاديمي، الأمر الذي أهّله لتدريس اللغة العربية والتاريخ في عدد من المدارس اللبنانية، فضلاً عن مُحاضَرته وبحثه في جامعات دمشق وحلب وباريس و"دار المحفوظات العمومية" في القاهرة، كذلك عمل مُحرّراً وكاتباً في صُحف عديدة مثل "البناء"، و"صباح الخير"، و"المنبر"، و"الساخر"، و"الديار".
عُرف الراحل بتكريس اشتغالاته البحثية والنقدية في تقفّي أثر الأديب اللبناني سعيد تقي الدين، وقد تعدّى هذا الارتباط بأدب تقي الدين الدافعَ السياسيّ (كونهما ابنَي حزبٍ واحد هو الحزب القومي السوري)، ليستمرّ هذا الجهد البحثي لأكثر من ستّة عقود بعد رحيل صاحب "حفنة ريح" (1948)، اكتشف وحقّقَ داية خلالها الكثير من نصوص تقي الدين المخفيّة والمجهولة، حيث بلغ عدد الكتب التي أصدرها داية له أربعة عشر كتاباً توزَّعت بين القصّة القصيرة والمقالة والمسرحيات والخطابات والرسائل، في حين أنّ تقي الدين كان قد أنجز في حياته 13 كتاباً فقط.
وضمن هذا السياق، صدرت لداية دراسات عديدة عن تقي الدين، من أبرزها: "بدايات سعيد تقي الدين" (1978)، و"أدب سعيد تقي الدين" (1979)، و"سعيد تقي الدين في الحزب القومي" (في أربعة أجزاء، صدرت بين التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة). وبحُكم الانتماء السياسي أيضاً، حضر كُتّاب وشعراء وسياسيّون قوميّون سوريّون في أعمال داية مثل خليل حاوي، ومحمود نعمة، وهشام شرابي، ومحمد الماغوط، فضلاً عن كتاباته حول حياة وفكر مؤسّس الحزب: أنطون سعادة (1904 - 1949).
كذلك انشغل الراحل، خارج هذه القوس، بسؤال النهضة فتناول فكر "المعلّم بطرس البستاني" (1984)، وعبد الرحمن الكواكبي في كتابه "الإمام الكواكبي: فصل الدين عن الدولة" (1988)، وأعلاماً آخرين بحث في سيرتهم وحقّق أعمالاً مجهولة لهم مثل "نجيب عازوري والمسألة الفلسطينية"، و"جبران تويني وعصر النهضة" (1994)، و"جرجي زيدان: يوميات رحلة بحرية" (2010)، و"أمين الريحاني، كشكول الخواطر: خمسون مقالة مجهولة" (2014)، و"الشيخ يوسف الخازن: أقوال وأحوال" (2016).
أمّا كتابه "عقيدة جبران" (1988)، فربّما يكون الأبرز من بين استعاداته لأعلام النهضة، لأنّ في صاحب "النبي" تتكثّف تقاطُعات النهضة والحداثة، الشعر والتشكيل، الانتماء السوري والكونيّة، وقد كشف داية عن وجه آخر لجبران الذي عُرف بثوريّته على التقاليد، وبالتالي يصعب مقاطعة هذه السيرة مع الصورة المتخيّلة التي اخترعها البعض عن جبران بغاية حَصْرِه ضمن إطار شديد "الخصوصية اللبنانية"، كما أتبع داية هذا العمل بآخر تحت عنوان "لكُم جبرانكم ولي جبراني: مع خمسين نصّاً مجهولاً لجبران" (2009) كشَف فيه أنّ تزوير سيرة ومؤلّفات جبران جرى على مستوى أكاديمي مُتعمَّد لطمس أي دلالة على انتمائه فكرياً إلى مفهوم الوطن السوري بمعناه الواسع.
الجدير بالذكر أنّ "دار نلسن" ستُصدر قريباً آخر أعمال الباحث الراحل بعنوان "المطران بولس الخوري: أحداث ومواقف"، والذي يتناول فيه داية حياة المطران اللبناني (1921 - 2021) وفكره المُتحرّر وعلاقته بالقضية الفلسطينية.