تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الكاتب والروائي الكيني نغوغي واثيونغو (1938).
ناضل نغوغي واثيونغو مثل العديد من الكتّاب الأفارقة من أجل تثبيت سرديةٍ لتاريخ بلادهم وثقافاتها تتحرّر من مقولات الاستعمار في ادعاء أن "أدواته الحضارية" هي التي أسّست الدولة الحديثة في القارة السمراء، وأولى الخطوات تتمثّل في التخلّص من رؤية الرجل الأبيض، التي يستبطنها مثقفون عالمثالثيون في النظر إلى ذواتهم.
في عام 1977، اجترح الكاتب الروائي الكيني (1938) شكلاً مسرحياً جديداً يتحرّر من المسرح الذي يعبّر عن القيم البرجوازية الأوروبية التي استعارها الكينيون كحال غيرهم من شعوب العالم، في محاولة لإشراك الجمهور في العروض التي ألّفها وأعدها، وإزالة الغموض والتغريب عن العرض المسرحي.
وضع واثيونغو خلاصة اشتغاله في الأدب والمسرح والفنون في كتابه "تحرير العقل من الاستعمار: سياسة اللغة في الأدب الأفريقي" (1986) الذي يقف فيه عند جيل من الكتّاب ظهر في أفريقيا لم يعد ينظر إلى ماضيه الاستعماري باعتباره تجربة شخصية مباشرة وإنما باتت مسألة تاريخية، لافتاً إلى أن الأدب الأفريقي المكتوب بلغات أوروبية هو تعبير أساسي عن عدم الاستقرار السياسي ما بعد الاستعمار وصولاً إلى الاستقلال الكامل.
آمن بأهمية المقاومة الثقافية التي تعني عدم التخلّي عن الجذور في مواجهة الهيمنة الغربية
تبرز مقارباته هذه في العديد من مقالاته وكتبه إلى جانب محاضرته في الأدب المقارن ودراسات الأداء كأستاذ في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة، وهي ما جعلته يتخلى عن اسمه "جيمس" في فترة باكرة من حياته ويختار اسماً استمدّه من تراثه الكيني، وأن يكتب أدبه بلغته الأصلية "الكيكويو أو الغاكيو"، وإحدى لغات مجموعة البانتو، التي يتحدّثها شعبه كيكويو في كينيا.
آمن واثيونغو الذي بدأ حياته ماركسياً، بأهمية المقاومة الثقافية التي تعني عدم التخلّي عن الجذور في مواجهة الهيمنة التي يفرضها المركز الرأسمالي على الشعوب الفقيرة، وفي مقدّمتها تلك الصور النمطية التي روجتها ماكينة الإعلام الغربية عنها، تماماً مثلما فعلت في أفريقيا حين اعتبرت الاختلافات القبلية هي أساس مشاكلها وأزماتها الاجتماعية والسياسية حتى اليوم.
دعا "صاحب "بتلات الدم" والذي درّس الأدب المقارن لعقود في جامعات أميركية، إلى ضرورة إنشاء جامعة في القارة السمراء لتدريس الأدب الأفريقي بعد انتهاء عهد الاستعمار، بما في ذلك الأدب الشفوي، واستعادة اللغات القديمة عبر التدوين والكتابة، كما دعا خلال فترة تدريسه في "جامعة نيروبي" بكينيا إلى إلغاء تدريس الأدب الإنكليزي.
ساهم واثيونغو منذ منتصف السبعينيات في إنشاء "مركز كاميريتو للتعليم المجتمعي والثقافي" الذي توّجه إلى تدريس المسرح الأفريقي وإشاعة ثقافته في بلاده، ونتيجة لآرائه السياسية تم اعتقاله حيث أودع في "سجن كاميتي" حتى أفرج عنها عام 1978، وخلال فترة سجته كتب روايته "شيطان على الصليب" التي نُشرت سنة 1982.
اضطر بعد ذلك إلى العيش في المنفى بسبب مواقفه المعادية للنظام الدكتاتوري في كينيا، مواصلاً الكتابة في المسرح والرواية والقصة القصيرة والمقالات النقدية، حيث صدر له "الكتاب في السياسة"، و"جدل العولمة.. نظريات المعرفة وسياساتها"، و"العودة إلى الوطن: مقالات عن الأدب الأفريقي والكاريبي والثقافة والسياسة".