ذكرى ميلاد: نجاة علي.. صوتٌ بلغ غايته مبكراً وغاب

23 مارس 2023
نجاة علي (1913 - 1993)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث والعشرون من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد المطربة المصرية نجاة علي (1913 – 1993).


في الحادي عشر من نيسان/ أبريل عام 1929، صعدت نجاة علي خشبة مسرح الأزبكية للمرّة الأولى، بعد انتشار مونولوغها "سر السعادة"، من كلمات حسين حلمي المانسترلي وألحان محمد القصبجي، حيث سبق أن أشارت، في أحد حواراتها، إلى تشجيع النحّات محمود مختار لها على أن تقدّم أولى حفلاتها، مبدّداً عدم ثقتها ومخاوفها من أنها لن تصنع شيئاً في حياتها "إلّا ملء الأسطوانات".

غنّت المطربة المصرية (1913 – 1993)، التي تحلّ اليوم الخميس ذكرى ميلادها، في ذاك الحفل موشَّح "لمّا بدا يتثنى" ودور "حُسن الجميل" لداود حسني وقصيدة "وحقك أنت المنى والطلب" لأبي العلاء محمد، بالإضافة إلى "سر السعادة"، وحازت تقدير الصحافة الرسمية آنذاك، لتنطلق في رحلة قصيرة نسبياً انتهت بالاعتزال.

قبل أن تبلغ العاشرة، أدركتِ العائلة أن نجاة علي، المولودة باسم نجيَّة علي أحمد صيام، تمتلك صوتاً استثنائياً، فبدأ الوالد ــ الذي كان يعمل موظفاً بسيطاً في قرية بردين بمحافظة الشرقية ــ بتحفيظ ابنته دوراً قديماً يقول مطلعه: "في البعد يا ما كنت أنوح". ومع انتقالها إلى قرية والدتها دكرنس بمحافظة الدقهلية، استمعت هناك للمرة الأولى إلى أسطوانات أم كلثوم، التقت بها أيضاً حين زارت قرية مجاورة وأقامت حفلاً في تلك الفترة.

عادت العائلة إلى بردين، حيث بدأت الطفلة التردُّد على منزل عائلة أباظة (المشهورة باهتمامها بالأدب والفن) لتقدّم بعض الأغاني في حفلات تنظّمها العائلة، ليستمع إلى صوتها صدفةً موظفٌ يعمل في "شركة أوديون للتسجيلات التجارية"، التي أوفدت مندوباً ليتفاوض مع أسرتها التي انتقلت إلى القاهرة، وبدأت نجاة تتلقّى دروساً على يد داود حسني وصَفر علي سنة كاملة، حتى سجلت أولى أسطواناتها، التي أحدث نجاحاً كبيرة، ما جعل الشركة تتعاقد معها على تسجيل عشر أسطوانات كلّ عام لمدّة أربع سنوات مقبلة.

المحطّة الثانية كانت عام 1935، حين شاركت محمد عبد الوهاب بطولةَ فيلم "دموع الحب" للمخرج محمد كريم، المقتبس عن القصّة التي عرّبها مصطفى لطفي المنفلوطي عن الفرنسية بعنوان "ماجدولين" أو "تحت ظلال الزيزفون"، وستغنّي فيه "صعبت عليك" و"ما أحلى الحبيب"، من كلمات أحمد رامي وألحان عبد الوهاب.

ثم قدمت فيلمها الثاني، "شيء من لا شيء" (1938)، إخراج أحمد بدرخان وشاركها البطولة المطرب عبد الغني السيد، وتلاه فيلمها الثالث "حب من السماء" (1943)، من إخراج عبد الفتاح حسن وبطولة المطرب محمد أمين، وبعده فيلم "الحظ السعيد" (1945) من إخراج فؤاد الجزايرلي، ثم "الكل يغني" (1948)، من إخراج عز الدين ذو الفقار، لتقدّم آخر أفلامها سنة 1949 بعنوان "الشاطر حسن"، من إخراج فؤاد الجزايرلي.

واصلت نجاة علي صعودها خلال الأربعينيات والخمسينيات مع أدائها أعمالاً لزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمود الشريف، كما أدّت مقاطع من قصيدة "الأطلال" لإبراهيم ناجي بألحان محمد فوزي قبل أعوام من غناء أم كلثوم القصيدة كاملةً، قبل أن تقرّر الاعتزال وهي ما تزال دون الخمسين.

فكرة الاعتزال كانت قديمة، منذ زواجها الأوّل نهاية الثلاثينيات، حيث مَنحت أسرتها أولويةً على الفنّ مدّة أربع سنوات، لكنها عادت إلى الغناء مجدّداً واستمرت في تقديم أدوارها في السينما والمسلسلات الإذاعية، حتى أعلنت اعتزالها أواخر الخمسينيات، مشيرةً في أكثر من مقابلة صحافية إلى أنها ظلّت هاوية ولا تريد احتراف الغناء، لكنها خرجت من عزلتها في مدينة الإسكندرية سنة 1964 لتسجّل أغنيتين أخيرتين، هما "بيتهيألك"، من ألحان بليغ حمدي، "وحقك أنت المنى والطلب" من ألحان أبي العلاء محمد.

المساهمون