تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم الخامس والعشرون من آذار/ مارس ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي المصري محيي الدين اللباد (1940 - 2010).
على مدار نصف قرن، استطاع محيي الدين اللباد، الذي تمرّ، اليوم الجمعة، ذكرى ميلاده، تضمين عناصر ومفردات تراثية متنوعة الدلالة في رسوماته الغرافيكية، حيث وعى مبكراً أهمية توظيف العلامة البصرية المشتقة من الثقافة الشعبية بلغة قادرة على الوصول إلى جميع الفئات.
وثّق الفنان التشكيلي المصري (1940 - 2010) هذه المعرفة الفنية والجمالية في عدد من مؤلفاته التي وجهها للصغار والكبار، ساعياً إلى ربط الرموز التراثية بسياقاتها الاجتماعية والثقافية من خلال شروحات بسيطة مرفقة مع رسومه وتصاميمه.
في كتابه "لغة بدون كلمات: العلامة، الإشارة، الرمز"، قدّم اللباد في أقل من أربعين صفحة قصة العلامة منذ ظهورها على جدران كهوف الإنسان القديم حتى وصولها إلى شاشات الكمبيوتر، شارحاً تعدّد وظائف هذه الإشارات والعلامات وتطوّرها عبر العصور، وكيف احتفظت الذاكرة الإنسانية الجمعية بالعديد منها حتى اليوم، وكيف تحوّلت الصورة إلى لغة، كما أضاء تاريخ لغة الجسد، والنقوش التي رُسمت أساساً من أجل إيصال معنى معين قبل أن تأخذ بعدها الجمالي.
كان شغوفاً في إدماج الثقافة البصرية ضمن المكتبة العربية
وتمّكن بأسلوبه القريب من القارئ أن يُجمل أشكالاً لا حصر لها من هذه اللغة الرمزية، سواء على صعيد ما تعنيه لدى الموسيقيين في قيادة فرقهم، أو في أبراج الفلك، أو ما يتعلّق بالطب والدواء، والتجارة، وأحوال الطقس، وشعارات الدول والمنظّمات، وعلامات الملاحة، وخرائط المدن والرسوم البيانية وأبجدية المكفوفين، ولغة اللصوص والمجرمين.
اللباد الذي درس التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، عمل في بداية حياته رسام كاريكاتير في عدد من الصحف المصرية والعربية، وهي تجربته رسّخت لديه الوظيفة الاجتماعية للفن، حيث لا فنون بمعزل عن الجمهور، كما عمل في الوقت نفسه رساماً لمجلات أطفال ولكتب موجهة للصغار والفتيان، ما أكسبه تلك الرؤية في تبسيط الفنون وجعلها قريبة من الناس، في العديد من مؤلّفاته.
في كتابه "كشكول الرسام"، لخص تجربته المتنوعة في الرسم والكاريكاتير والغرافيك وتأليف الكتب المصورة لقرائه الذين تعامل معهم بوصفهم شركاء في عملية التعلّم، وتعمّقت هذه الصلة من خلال تقديمه ورشاً متخصصة للمبتدئين وطلبة الفنون على مدار عقود عدة، متطلعاً إلى الفن دوماً في إطار التعلّم والتعليم.
من جهة أخرى، كان اللباد شغوفاً بإدماج الثقافة البصرية ضمن المكتبة العربية؛ هاجس نظّر له في تقديم كتبه العديدة ومنها "حكاية الكتاب: من لفافة البردي إلى قرص الليزر"، وهو عمل تاريخي بحثي يشير إلى هذه العلاقة المتينة بين الفنان المصري والكتاب، أو في مشروعه "نظر" الذي صدر في أربعة أجزاء، وسعى من خلاله إلى إعادة النظر بكلّ ما يحيط بنا من فنون باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الواقع نفسه.
ترك محيي الدين اللباد العديد من العناوين منها: "حواديت الخطاطين"، و"ملاحظات.. كتاب للفتيان والفتيات والكبار أيضاً"، و"تي شيرت.. كرّاس للفتيان والفتيات"، و"مئة رسم وأكثر"، و"الحروف العربية"، و"قاموس الكائنات الخرافية" (مؤلّف مشترك)، وغيرها.