ذكرى ميلاد: لؤي كيالي.. محطّة أساسية في الفن السوري

20 يناير 2021
(لؤي كيالي في مرسمه)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العشرون من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي (1934 – 1978).


كلّ أبطال لؤي كيالي الذين رسمهم منذ حرب حزيران/ يونيو 1967 وحتى رحيله، كانوا يصرخون مثله ضدّ كلّ ما تسبّب في ألمِهم، وهم مثله أيضاً يعتصرهم الألم ويواصلون الصمت نحو موت تراجيدي صادم للجميع دون أن يغّير شيئاً في مشهد زائف ومهزوم.

يقول الفنان التشكيلي السوري (1934 – 1978)، الذي تحلّ اليوم ذكرى ميلاده، في مقابلة أُجريت معه سنة 1976: "من قال لك إنني حزين دوماً؟ ورغم أنَّ العالم يسير في طريق التحرر، إلا أنَّني أشعر بالبؤس لا بالحزن أحياناً لعدم إمكانية الثورة العربية من تحقيق أهدافها"، على هذا النحو يمكن تفسير رؤيته إلى الفن وإلى الحياة أيضاً.

(لوحة "بائع الجوارب" لـ لؤي كيالي)
(لوحة "بائع الجوارب" لـ لؤي كيالي)

قاوم كيالي الكارثة على طريقته، يدّب في أوصاله حماسة لا حدود لها ويرسم حوالي ثلاثين لوحة بالفحم أثّثت معرضه "في سبيل القضية"، الذي سبق النكسة بشهر واحد، ثم أتلف لوحاته حين قوبلت بردّة فعل سلبية وقاسية، ليدخل اكتئاباً طويلاً لا يكاد يتخلّص منه حتى عاد إليه، ما تسبّب بإحالته للتقاعد من معهد الفنون الجميلة عام 1971 لأسباب صحية.

تمكّن بعد تقاعده بعام من العودة للرسم بحماسة شديدة، ويقيم عدداً من المعارض المهمّة في مشواره الفني القصير، إلا أن تلك الصحوة ستنطفئ مع ربيع عام 1977، وازداد الهجوم على أسلوبه وتجربته من قبل العديد من الفنانين السوريين، وبدأ يفكّر بالهجرة إلى إيطاليا التي درس فيها الفن خلال الخمسينيات، غير أنه عاد منها بعد زيارة قصيرة ليعيش معتزلاً في مدينة حلب، مسقط رأسه، حتى احترق بيته في العاشر من أيلول/ سبتمبر 1978؛ ليرحل بعد نحو ثلاثة أشهر إثر إصابته بالحريق الذي رأى فيه كثيرون محاولة متعمدة للانتحار.

(لوحة "في القرية" لـ لؤي كيالي)
(لوحة "في القرية" لـ لؤي كيالي)

يعتقد ممدوح عدوان أن النقطة الفاصلة في حياة كيالي كانت سنة 1967، مشيرا إلى أن "لؤي بعد معرضه (في سبيل القضية) قدم تنازلًا مهمًا وخطيرًا فتنازل عن جمهوره السابق (من طبقة الأغنياء والمترفين) وسمعته السابقة ومرابحه السابقة، ففقد راحته الداخلية وانسجامه مع العالم".

لم يعر جمهور كيالي اهتماماً بما يرسمه بعد تلك الحادثة، وهو الذي حقّق أعلى أرقام مبيعات لبورتريهاته، خاصة النسائية منها، طوال سنين، وأخفق في تحقيق حلمه الذي عبّر عنه بالقول "إنني أرسم الفقراء في لوحات يشتريها الأغنياء وهكذا أدخل الفقراء إلى بيوت الأغنياء".

أصّر الفنان الذي وُلد لعائلة برجوازية على انحيازاته الفنية والفكرية، رغم تشكيك البعض فيها، حيث تناول في أعماله البؤس والفقر المنتشر في بلده، ومنها لوحات "ماسحو الأحذية"، التي رسمها بين عامي 1963 و1974، ويصف هؤلاء المهمّشين بعبارة مكثفة تعكس أصدق حالاته النفسية والذهنية "إنَّ نماذجي من النادر جداً أن تعيش لحظة حلم رغم حاجة الإنسان إلى هذه الممارسة الإنسانية".