ذكرى ميلاد: صلاح جاهين.. فيلسوف "الرباعيات"

25 ديسمبر 2020
(صلاح جاهين)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس والعشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الشاعر ورسام الكاريكاتير المصري صلاح جاهين (1930 – 1986).


يشير محمد بغدادي في كتابه "أمير شعراء العامية" (2013) إلى الثراء الفلسفي والجمالي لرباعيات صلاح جاهين الذي تحلّ اليوم الجمعة ذكرى ميلاده التسعون، حيث ضمّنها تساؤلاته المعمقة حول الحياة والموت ومصير الفرد، وأفكاره وقناعاته حول قضايا اجتماعية وهموم سياسية.

كما يوضّح أن الشاعر ورسام الكاريكاتير المصري (1930 – 1986) بدأ الكتابة متأثراً بتجربة الشاعر فؤاد حداد مثل آخرين كسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، لكن كتاباته الشعرية لم تحظ بدراسات كافية، لافتاً إلى أن جاهين اعتبر أن القوالب التقليدية للنظم العامي "الزجل" أصبحت عاجزة عن تحمل المضامين الجديدة والمباحث الفكرية والخيالية والتصويرية والإيقاعية، فاتجه نحو تقصير البحور والإيقاع الشعري الخفيف واختيار بحور غير مطروقة.

استطاع صاحب قصيدة "على اسم مصر" أن يحقق نقلة نوعية في الشعر الشعبي منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، وأن تعبّر عن أقصى درجات الصدق في مرحلة لم تحتمل الجرأة والمكاشفة، لكن جاهين كان يراوح بين الهجاء المبطن لقمع السلطة إبان حكم جمال عبد الناصر، الذي رأى فيه صورة الأب والمخلّص معاً، وبين المداراة وتحميل الكلام تأويلات متعددة، كما فعل حين أودع معظم أصدقائه في سجن الواحات، فكتب: ملعون في كل كتاب يا داء السكوت/ ملعون في كل كتاب يا داء الخرس".

سعى إلى تجديد الشعر الشعبي عبر تقصير البحور واختيار بحور غير مطروقة

وُلد محمد صلاح حلمي المعروف بـ"صلاح جاهين" في شبرا، لوالد يعمل مستشاراً قضائياً يتنقّل بحكم وظيفته بين المدن المصرية، ما أكسب ابنه معرفة دقيقة بطباع الناس في مختلف أنحاء مصر، وقد التحق بكلية الحقوق وقوفاً عند رغبة أبيه، وفي مسار مواز كتب الشعر، حيث أصدر ديوانه الأول بعنوان "كلام سلام"، وتلته دواوين أخرى منها "موال عشان القنال" و"الرباعيات"، و"قصاقيص ورق".

عمِل محرراً في عدد من المجلات والجرائد، وقام برسم الكاريكاتير في مجلتي "روز اليوسف" و"صباح الخير" ثم انتقل إلى "جريدة الأهرام"، كما كتب سيناريو العديد من الأفلام السينمائية مثل "أميرة حبي أنا" (1974) من إخراج حسن الإمام، و"عودة الابن الضال" (1976) من إخراج يوسف شاهين، و"المتوحشة" (1979) من إخراج سمير سيف، وغيرها.

لكن يظلّ فيلمه الأشهر "خلّي بالك من زوزو" (1972) من إخراج حسن الإمام، والذي طاولته انتقادات كثيرة بسبب تأليفه عملاً سينمائياً استعراضياً اعتبره البعض خالياً من أية مضامين بل إنه لا يحدد الزمن الذي يعيش فيه أبطاله، لكن آخرين أشاروا إلى أن جاهين كان يعبّر عن حجم العجز والفشل الذي أحسّ فيه المصريون بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وأصبح كل شيء غير مفهوم بالنسبة إليهم، حيث تقول إحدى أغاني الفيلم التي كتبها بنفسه "خلي بالك من زوزو زوزو.. زوزو النوزو كونوزو/ اسمع غناها .. وافهم لغاها دى زوزو دي كلام هنعوزو".

رحل جاهين في لحظة اكتئاب حادة مرّ فيها كثّفت نحو عشرين سنة من اضطراباته النفسية، إذ ابتلع في 21 نيسان/ إبريل عام 1986 جرعة كبيرة من الحبوب المنوّمة والتي كان يتناولها كي يتخلّص من قلقه واكتئابه، إلا أن كثيرين أنكروا أنه أراد الانتحار.

المساهمون