تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الموسيقار الألماني لودفيغ فان بيتهوفن (1770 – 1827).
ركّزت الاحتفالات التي شهدتها هذا العام مدن ألمانية وأوروبية بمناسبة مرور مئتين وخمسين عاماً على مولد لودفيغ فان بيتهوفن على جانب مهم في شخصيته وتكوينه الثقافي بتعلّق بمعارضته للقمع الذي كانت تمارسه الأنظمة الملكية في أوروبا آنذاك، منحازاً لقيم العدالة الاجتماعية والمساواة.
دوّن الموسيقار الألماني (1770 – 1827) خلاصة مواقفه بأن "الحرية والتقدم هما هدفنا الحقيقي في الفن، تماماً كما في الإبداع العظيم عموماً"، وقد كتب ذلك سنة 1819؛ أي في مرحلة متأخرة من حياته أخلص فيها إلى فكره ولم يعد يعوّل على مخلّص ينقذ الشعب بعد أن خاب أمله بنابليون بونابرت.
وُلد بيتهوفن في مدينة بون لوالد يعمل مغنياً دفعه إلى تعلّم العزف على البيانو بأسلوب قاسٍ لم يخل من التعنيف الجسدي، ثم تلقى دروسه على يد المؤلّف الموسيقي كريستيان غوتلوب نيفي، قبل أن ينتقل إلى فيينا حيث اكتسب شهرة واسعة كعازف بيانو بسرعة قياسية مكّنته من تأليف مقطوعاته الخاصة في تسعينيات القرن الثامن عشر عندما أصدر سلسلة "Opus 1" التي حققت له إيرادات مالية جيدة.
ظهرت أولى أعماله الأوركسترالية الرئيسية "السيمفونية الأولى" عام 1800، وتم نشر أول مجموعة من الرباعية الوترية في السنة اللاحقة، خلال هذه الفترة، بدأ سمعه في التدهور بشكل تدريجي ما ترك أثره البالغ على مزاجه وطبيعة نتاجاته الموسيقية، حيث عرض لأول مرة سمفونياته الثالثة والخامسة في عاميْ 1804 و 1808 على التوالي، ظهر كونشيرتو الكمان بعد ذلك بعامٍ واحد، وصولاً إلى كونشيرتو البيانو رقم 5 الذي كان عند تأليف شبه أصم.
واجه بيتهوفن صعوبات كبيرة في التأليف بسبب مشاكله الصحّية، لكنه استطاع أن يقدّم أهمّ أعماله بين عامي 1803 و1812، حيث وضع ستّ سيمفونيات، وخمس رباعيات وترية، وستّ سوناتات وترية، وسبع سوناتات بيانو، واثنين وسبعين نشيداً وعملاً أوبرالياً، لكنه أصبح أقل انخراطاً في المجتمع وبدأت عزلته.
رغم أن سيرة حياته عُرضت في أكثر من فيلم درامي ووثائقي، إلا أن مواطنه المخرج نيكي شتاين قدّم فيلماً جديداً عنه هذا العام، حاول التركيز فيه على مجمل اضطراباته النفسية وأسبابها منذ نشأته في بون، والتحاقه بالدراسة في فيينا مع الموسيقار جوزيف هايدن، وكيف بدا متمرداً على جميع القوالب الموسيقية والتي لم تعجبه حينها، وقرّر أن يقدّم موسيقاه المختلفة والتي لم ترق أيضاَ لعائلته أو لمدرّسه الذي اعتبر أنها تحتوي أصواتاً متنافرة.
يصوّر الفيلم اندفاع بيتهوفن وحماسته الشديدة للثورة الفرنسية التي أنصت فيها لأصوات الحرية التي ستعمّ أوروبا وتخلّصها من استبداد الملكيات الحاكمة، كما يضيء على صممه الذي سبّب له أزمات نفسية واجتماعية وإخفاقاً في الحب.