تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع من/ إبريل نيسان، ذكرى ميلاد الناقد والباحث المصري الطاهر أحمد مكي (1924 – 2017).
يعدً الطاهر أحمد مكي الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، أحد أبرز روّاد الجيل الثاني من الباحثين المصريين الذين كرسّوا دراساتهم في الأدب المقارن، متميزاً بقدرته على التنظير في هذا الحقل استناداً إلى ثقافته الموسوعية واطلاعه المعمّق على الآداب العربية قديمها وحديثها، وكذلك الآداب الغربية.
واهتمّ الناقد والباحث المصري (1924 – 2017) بتطبيق عدّته النقدية على العديد من النصوص التراثية مثلما فعل في دراسته لكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، أو لنماذج من الشعر العربي منذ المتنبي وحتى قصيدة التفعيلة، كما أنه نبّه إلى أن الأدب المقارن له جذوره الضاربة في الثقافة العربية، مدللاً على مقولته بالموازنات، والنقائض، والمعارضات التي تعدّ شكلاً من أشكال المقارنة إذا جمعت بين اللغتين، كما انشغل برصد التحولات التي تطرأ على بنية الرواية أو القصيدة وشكلها نتيجة تأثرها بمجالاتٍ عديدة مثل الرسم، أو النحت، أو الموسيقى، أو السينما.
وفي مسار ثانٍ، كان له دوره في تحقيق وترجمة ودراسة "ملحمة السِّيْد" عن اللغة القشتالية، والتي تعتبر أول ملحمة شعبية عربية كُتبت بإلاسبانية، ووصف عمله بأنه أخرج معنى من العدم، متغلباً على صعوباتها اللغوية للنص، وتراكيبه المستعارة من اللهجات الدارجة، ليكتشف التأثيرات العربية الواضحة في اللغة والنُظُم والتقاليد والعادات وطريقة رسم شخصية البطل وتصوير بطولاته.
دافع عن استخدام اللغة العربية في التدريس، لكنه ربط ذلك بضرورة دعم الترجمة والبحث العلمي
التحق مكي بالتعليم الأزهري فحصل على الابتدائية من المعهد الديني في مدينة قنا، ثم انتقل إلى القاهرة حيث أكمل المرحلة الثانوية وتخرّج بعدها من "كلية دار العلوم" بعام 1952، وسافر إلى مدريد حيث نال دكتوراه الدولة في الأدب والفلسفة من الجامعة المركزية سنة 1961.
اختار الأدب المقارن تخصّصاً في دراسة الدكتوراه، حيث أعد أطروحته في المقارنة بين كتاب "طوق الحمامة: في الألفة والألاف" لـ ابن حزم الأندلسي وبين قصائد بابلو نيرودا في الغزل، ورأى أن ما يجمعها هو عبقريتهما في الحب.
وشارك صاحب "الأدب الأندلسي من منظور إسباني" (1991) في تعريب مناهج الجامعات الجزائرية، ودافع عن استخدام اللغة العربية في التدريس، لكنه ربط ذلك بضرورة دعم الترجمة والبحث العلمي، محذّراً من انقراض لغة يكاد ينحصر استعمالها في الوعظ والإرشاد الديني، كما دعا في الوقت نفسه إلى تخليص دراسة الأدب الأندلسي من خطابات تمجيد ماضي المسلمين في إسبانيا، مؤكّداً أن أي دارس لتلك الحقبة سيتنبّه إلى جملة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية موضوعية كان لها دورها في نشوء الأندلس، ولاحقاً في انهيارها وتأسيس إسبانيا الحديثة.
في السياسة، انتسب مكيّ في العشرينيات من عمره إلى أحد التنظيمات اليسارية وقد غادره مبكراً بسبب مواقف التنظيم المؤيّدة لإنشاء دولة "إسرائيل"، وظلّ متمسكاً بمنظور عروبي في مواقفه تجاه الثقافة والحياة العامة محتفظاً بمسافة تفصله عن السلطة، وحين قرّر الرئيس الراحل أنور السادات احتواء مثقفي اليسار عهد إليه بتأسيس مجلة "أدب ونقد" في سبعينيات القرن الماضي، لكنه استقال بعد نشر أوّل مقال في المطبوعة من دون العودة إليه.
من بين مؤلّفاته: "امرؤ القيس: حياته وشعره" (1968)، و"بابلو نيرودا شاعر الحب والنضال" (1974)، و"القصة القصيرة: دراسة ومختارات" (1977)، و"الشعر العربي المعاصر: روائعه ومدخل لقراءته" (1996)، و"الأدب المقارن: أصوله وتطوره ومناهجه" (2002) و"أصداء عربية وإسلامية في الفكر الأوروبي الوسيط" (2005)، كما ترجم عن الفرنسية والإسبانية عدّة كتب منها "الحضارة العربية في إسبانيا"، و"الشعر الأندلسي في عصر الطوائف"، و"التربية الإسلامية في الأندلس: أصولها المشرقية وتأثيراتها الغربية".